للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خالد بن الوليد في عدد من المسلمين، فدخلوا من أسفلها، فعرض لهم عكرمة بن أبي جهل وصفوان بن أمية وسهيل بن عمرو بالخندمة (١)، فهزمهم وقتل منهم اثني عشر أو ثلاثة عشر رجلا، ولم يقتل من خيل خالد إلا سلمة بن الميلاء الجهني، وكان كرز بن جابر الفهري وخنيس بن الأشعر قد شذا عن خالد وسلكا طريقا غير طريقه فقتلا (٢)، وقد كان صلّى الله عليه وسلم عهد إلى أمرائه ألا يقاتلوا إلا من قاتلهم، إلا أنه أمر بقتل جماعة سماهم وإن وجدوا تحت أستار الكعبة، فقتل بعضهم (٣) واستؤمن لبعض (٤).

وكان فتح مكة لعشرين بقين من رمضان، ولما انتهى النبي صلّى الله عليه وسلم إلى البيت .. طاف به سبعا على راحلته يستلم الركن بمحجن بيده (٥)، وهو منكّس رأسه تواضعا لله تعالى، ثم دعا بمفتاح الكعبة-وكان بيد عثمان بن طلحة بن أبي طلحة الحجبي العبدري (٦)، وبيد ابن عمه شيبة بن عثمان بن أبي طلحة-فأتي به، ففتح الكعبة وركع فيها ركعتين، وكسر ما كان فيها من الأوثان، وطمس الصور، فأخرج مقام إبراهيم (٧)، فسأله العباس أن يجمع له السدانة مع السقاية، فأنزل الله تعالى: {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها، } فدعا عثمان وشيبة فأعطاهما المفتاح وقال: «خذاها خالدة تالدة لا ينزعها


= الأنصار، وكانت راية المهاجرين مع الزبير).والحجون: جبل بأعلى مكة، عنده مدافن أهلها.
(١) الخندمة: جبل بمكة.
(٢) هذه رواية ابن إسحاق عند ابن هشام في «السيرة» (٤/ ٤٠٧)، وعند البخاري (٤٢٨٠): أنه قتل من خيل خالد: حبيش بن الأشعر، وكرز بن جابر الفهري، وانظر ما جاء في ترجمة خنيس بن الأشعر عن الخلاف في ضبط اسمه.
(٣) كعبد العزى بن خطل الذي أمر النبي صلّى الله عليه وسلم بقتله حين أخبر أنه متعلق بأستار الكعبة، كما في «البخاري» (٤٢٨٦)، والحويرث بن نقيدر، ومقيس بن صبابة، والحويرث بن الطلاطل.
(٤) كعكرمة بن أبي جهل، وعبد الله بن سعد بن أبي سرح، وعفا صلّى الله عليه وسلم عن بعض، كهبّار بن الأسود، وكعب بن زهير، وهند بنت عتبة.
(٥) أخرجه ابن خزيمة (٢٧٨١)، وابن حبان (٣٨٢٨)، وأبو داود (١٨٧٣)، والمحجن: عصا محنية الرأس يتناول بها الراكب ما يسقط له، ويحرك بطرفها بعيره للمشي.
(٦) الحجبي: نسبة إلى حجابة الكعبة، وهي ولايتها وفتحها وإغلاقها وخدمتها، والعبدري: نسبة إلى عبد الدار.
(٧) وقد كان في الكعبة، كما أخرج ابن مردويه من طريق الكلبي، انظر «تفسير ابن كثير» (١/ ٥١٦)، و «الدر المنثور» (٢/ ٥٧٠)، والكلبي فيه ما فيه، وعند البيهقي في «الدلائل» (٥/ ٤٥): (فكان المقام-زعموا-لاصقا بالكعبة، فأخّره رسول الله صلّى الله عليه وسلم مكانه هذا).ويدفع ذلك-والله أعلم-ما أخرجه أبو الوليد الأزرقي في «أخبار مكة» (٢/ ٢٥) بأسانيد صحيحة-كما قال الحافظ في «الفتح» (١/ ٤٩٩) -: (أن موضع المقام هذا الذي هو به اليوم هو موضعه في الجاهلية وفي عهد النبي صلّى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما، إلا أن السيل ذهب به في خلافة عمر، فجعل في وجه الكعبة حتى قدم عمر فاستثبت في أمره حتى تحقق موضعه الأول، فأعاده إليه وبنى حوله، فاستقر ثمّ إلى الآن).

<<  <  ج: ص:  >  >>