للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولما رجع صلّى الله عليه وسلم من الطائف .. نزل الجعرانة، وقسم بها الغنائم، فأعطى الطلقاء ورؤساء العرب ومن ضعف إيمانه يتألّفهم ويتألّف بهم، ووكل آخرين إلى إيمانهم ويقينهم، منهم الأنصار رضي الله عنهم، فأعطى صلّى الله عليه وسلم أبا سفيان بن حرب وصفوان بن أمية وعيينة بن حصن والأقرع بن حابس، كلّ إنسان منهم مائة من الإبل، وأعطى عباس بن مرداس دون ذلك فقال: [من المتقارب]

أتجعل نهبي ونهب العبي‍ ... د بين عيينة والأقرع

فما كان بدر ولا حابس ... يفوقان مرداس في المجمع

وما كنت دون امرئ منهما ... ومن تخفض اليوم لا يرفع

فأتم له رسول الله صلّى الله عليه وسلم مائة (١).

وأعطى صلّى الله عليه وسلم من الشاء بغير عدد، وسأله أعرابي فأعطاه غنما بين جبلين، فلما رجع إلى قومه .. قال: أسلموا؛ فإن محمدا يعطي عطاء من لا يخشى الفقر (٢).

ولما لم يصب الأنصار من هذه المغانم لا قليل ولا كثير .. وجدوا وجدا عظيما، ووقع في أنفسهم ما لم يقع قبل ذلك، فقالوا: يغفر الله لرسول الله صلّى الله عليه وسلم؛ يعطي قريشا ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم؟ ! وقالوا: إذا كانت الشدة .. فنحن ندعى وتعطى الغنائم غيرنا؟ ! فلما بلغ النبي صلّى الله عليه وسلم خبر موجدتهم .. جمعهم وقال: «ما حديث بلغني عنكم؟ »، فقال فقهاء الأنصار: أما رؤساؤنا يا رسول الله .. فلم يقولوا شيئا، وأما ناس منا حديثة أسنانهم .. فقالوا: يغفر الله لرسول الله؛ يعطي قريشا ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم؟ ! فقال صلّى الله عليه وسلم: «إني أعطي رجالا حديثي عهد بكفر أتألّفهم، أما ترضون أن يذهب الناس بالأموال وتذهبون بالنبي إلى رحالكم؟ فو الله؛ لما تنقلبون به خير مما ينقلبون به»، قالوا: يا رسول الله؛ قد رضينا (٣).

ثم إن وفد هوازن جاءوا مسلمين ومناشدين للنبي صلّى الله عليه وسلم برضاعة فيهم، فقال له قائلهم: يا رسول الله؛ لو أنا ملحنا (٤) للحارث بن أبي شمر الغسّاني، أو


(١) أخرجه مسلم (١٠٦٠)، وابن حبان (٤٨٢٧)، والعبيد: اسم فرس عباس، وبدر: في رواية: حصن، وكلاهما صحيح؛ لأن عيينة هو ابن حصن بن حذيفة بن بدر.
(٢) أخرجه مسلم (٢٣١٢)، وابن حبان (٤٥٠٢)، وأحمد (٣/ ١٧٥).
(٣) أخرجه البخاري (٤٣٣١)، ومسلم (١٠٥٩).
(٤) ملحنا: أرضعنا.

<<  <  ج: ص:  >  >>