النعمان بن المنذر، ثم نزل منا بمثل الذي نزلت به .. رجونا عطفه وعائده علينا، وأنت خير المكفولين، وأنشده زهير بن صرد الجشمي السعدي وهو أحد سراتهم: [من البسيط]
امنن علينا رسول الله في كرم ... فإنّك المرء نرجوه وننتظر
امنن على بيضة قد عاقها قدر ... مشتّت شملها في دهرها غير
يا خير طفل وموجود ومنتجب ... في العالمين إذا ما حصّل البشر
إن لم تداركهم نعماء تنشرها ... يا أرجح الناس حلما حين يختبر
امنن على نسوة قد كنت ترضعها ... وإذ يزينك ما تأتي وما تذر
لا تجعلنا كمن شالت نعامته ... واستبق منّا فإنّا معشر زهر
إنّا لنشكر للنعما إذا كفرت ... وعندنا بعد هذا اليوم مدّخر
فألبس العفو من قد كنت ترضعه ... من أمّهاتك إنّ العفو مشتهر
يا خير من مرحت كمت الجياد به ... عند الهياج إذا ما استوقد الشرر
إنّا نؤمّل عفوا منك تلبسه ... هذي البرية إذ تعفو وتنتصر
فاغفر عفا الله عمّا أنت راهبه ... يوم القيامة إذ يهدى لك الظّفر
فلما سمع صلّى الله عليه وسلم هذا الشعر .. قال: «ما كان لي ولبني عبد المطلب ..
فهو لكم»، وقالت قريش: ما كان لنا .. فهو لله عزّ وجل ولرسوله، وقالت الأنصار مثل ذلك (١).
وفي «الصحيحين»: (عن المسور بن مخرمة رضي الله عنهما: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قام حين جاءه وفد هوازن مسلمين، فسألوه أن يردّ إليهم أموالهم وسبيهم فقال لهم: «معي من ترون، وأحب الحديث إليّ أصدقه، فاختاروا إحدى الطائفتين: إما السبي، وإما المال»، قالوا: فإنا نختار سبينا، فقام صلّى الله عليه وسلم في المسلمين، فأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال: «أما بعد: فإن إخوانكم هؤلاء جاءونا تائبين، وإني قد رأيت أن أرد إليهم سبيهم، فمن أحب منكم أن يطيّب ذلك .. فليفعل، ومن أحب أن
(١) أخرجه الطبراني في «الكبير» (٥/ ٢٦٩)، و «الأوسط» (٤٦٢٧)، و «الصغير» (١/ ٣٩٥)، والطبري في «تاريخه» (٣/ ٨٦)، والخطيب في «تاريخه» (٧/ ١٠٨)، وأورده ابن حجر في «لسان الميزان» (٥/ ٣٢٤) وحسّنه، والصالحي في «سبل الهدى والرشاد» (٥/ ٥٦٩)، والبيضة: الأهل والعشيرة، وحصّل: جمع، وتدراكهم: أصلها: تتداركهم، وشالت: تفرقت، والمراد: لا تجعلنا كمن ارتحل عنك وتفرق، وربما يراد بذلك الموت؛ أي: لا تجعلنا كمن مات فلا ينتفع به في الحرب وغيرها، وكمت-جمع كميت-وهو: الخيل الشديد الحمرة، والهياج: القتال، وراهبه: خائفة.