للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم خرج صلّى الله عليه وسلم من الجعرانة إلى مكة معتمرا (١)، فلما فرغ من عمرته ..

رجع إلى المدينة، واستعمل على أهل مكة عتّاب بن أسيد، وخلّف معه معاذ بن جبل يفقّه الناس ويعلّمهم أمر دينهم، فحج عتّاب بن أسيد ذلك العام بالناس (٢)، وقدم صلّى الله عليه وسلم المدينة في آخر ذي القعدة أو في ذي الحجة، وبقي أهل الطائف على شركهم إلى رمضان من سنة تسع، وأوفدوا قوما منهم بإسلامهم كما سيأتي إن شاء الله تعالى.

وفي هذه السنة مدة مقامه: بعث خالد بن الوليد إلى بني جذيمة من كنانة، فدعاهم خالد إلى الإسلام، فلم يحسنوا أن يقولوا: أسلمنا، فقالوا: صبأنا صبأنا، وجعل خالد يقتل ويأسر، قال عبد الله بن عمر: ودفع خالد إلى كل واحد منا أسيره، ثم أمر خالد أن يقتل كلّ منا أسيره، فقلت: لا والله لا أقتل أسيري، ولا يقتل أحد من أصحابي أسيره، حتى قدمنا على النبي صلّى الله عليه وسلم فذكرناه، فقال: «اللهم؛ إني أبرأ إليك مما صنع خالد» (٣)، ثم بعث صلّى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب لتلافي خطأ خالد، وبعث معه بمال، فودى لهم الدماء والأموال، حتى ميلغة الكلب (٤)، وبقيت معه بقيّة من المال، فأعطاهم ذلك؛ احتياطا لرسول الله صلّى الله عليه وسلم مما لا يعلم ولا يعلمون، فاستحسن صلّى الله عليه وسلم فعله، وعذر خالدا في إسقاط القصاص من حيث إن قولهم:

(صبأنا) ليس بصريح في قبولهم الدين (٥).

وبعث صلّى الله عليه وسلم خالد بن الوليد أيضا لهدم العزّى، وكانت بنخلة، وكان سدنتها وخدمها بني شيبان من بني سليم، فهدمها خالد، ثم رجع إلى النبي صلّى الله عليه وسلم (٦).

وبعث صلّى الله عليه وسلم عمرو بن العاصي إلى سواع-صنم لهذيل-فهدمه.


= الغبرة، ويروى: (المباءة)؛ منزل القوم في كل موضع، الخادر: الداخل في خدره، الخدر هنا غابة الأسد.
(١) أخرجه البخاري (١٧٨٠)، ومسلم (١٢٥٣).
(٢) أخرجه الحاكم (٢٧٠/ ٣ و ٥٩٤)، والبيهقي في «السنن» (٤/ ٣٤١)، و «الدلائل» (٥/ ٢٠٢)، والطبري في «تاريخه» (٣/ ٩٤)، وابن سعد (٢/ ١٤٢)، وانظر «سيرة ابن هشام» (٤/ ٥٠٠)
(٣) أخرجه البخاري (٤٣٣٩)، وابن حبان (٤٧٤٩)، والنسائي (٨/ ٢٣٦)، وأحمد (٢/ ١٥٠) وغيرهم.
(٤) ميلغة الكلب: شيء يحفر من خشب ويجعل فيه الماء ليلغ ويشرب فيه.
(٥) أخرجه الطبري في «تاريخه» (٣/ ٦٧).
(٦) أخرجه النسائي في «الكبرى» (١١٤٨٣)، وأبو يعلى (٩٠٢)، وابن أبي شيبة (٨/ ٣٦٣)، والطبري في «تاريخه» (٣/ ٦٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>