للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي هذه السنة: أسلم عباس بن مرداس، وكان لأبيه مرداس صنم يعبده يقال له:

ضمار، فقال لابنه عباس عند موته: اعبد ضمارا؛ فإنه ينفعك ويضرك، فبينا هو يوما عند ضمار؛ إذ سمع مناديا من جوفه يقول: [من الكامل]

قل للقبائل من سليم كلّها ... أودى ضمار وعاش أهل المسجد

إنّ الذي ورث النبوّة والهدى ... بعد ابن مريم من قريش مهتدي

أودى ضمار وكان يعبد مرّة ... قبل الكتاب إلى النبيّ محمد

فحرّقه عباس، ولحق بالنبي صلّى الله عليه وسلم (١).

وفي هذه السنة: أسلم كعب بن زهير، وكان قد أسلم أخوه بجير قبله، فكتب كعب إلى بجير أبياته التي يقول فيها: [من الطويل]

شربت مع المأمون كأسا رويّة ... فأنهلك المأمون منها وعلّكا

وخالفت أسباب الهدى واتّبعته ... على أيّ شيء-ويب غيرك-دلّكا (٢)

على خلق لم تلف أمّا ولا أبا ... عليه ولم تدرك عليه أخا لكا

فأخبر بجير النبي صلّى الله عليه وسلم بأبيات كعب، فلما سمع قوله: المأمون قال:

«صدق وإنه لكذوب، أنا المأمون»، ولما سمع البيت الأخير .. قال: «أجل لم يلف عليه أباه ولا أمه»، ثم إن بجيرا كتب إلى كعب: أن النبي صلّى الله عليه وسلم قتل رجالا بمكة ممن كان يهجوه، فإن كانت لك في نفسك حاجة .. فسر إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم؛ فإنه لا يقتل أحدا جاءه تائبا، وكتب له أيضا أبياتا يخوفه فيها، فلما بلغ كعبا ذلك .. ضاقت به الأرض، وأشفق على نفسه، وأرجف به من كان في حاضره، فقدم المدينة ونزل على صديق له من جهينة، فذهب به إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فوافقاه في صلاة الصبح، فلما انقضت الصلاة .. قام كعب فجلس بين يديه صلّى الله عليه وسلم، ووضع يده في يده، وقال: يا رسول الله؛ إن كعب بن زهير قد جاء مسلما تائبا، فهل أنت قابل منه إن جئتك به؟ قال: «نعم»، فقال: أنا يا رسول الله كعب بن زهير،


(١) أخرجه أبو نعيم في «الدلائل» (١/ ١٤٦)، وابن أبي عاصم في «الآحاد والمثاني» (١٣٩٢)، والخرائطي كما في «البداية والنهاية» (٢/ ٧٥٠)، وانظر «سيرة ابن هشام» (٤/ ٤٢٧)، وأودى: سرى الداء فيه، وضمار: بكسر المعجمة مصروف، وقيل: بفتح المعجمة والبناء على الكسر كحذام، ومنع هنا لضرورة الشعر.
(٢) الويب: الويل.

<<  <  ج: ص:  >  >>