للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أصل بلده النّويدرة، ثم سكن زبيد، وحاز مسجد الأشاعر على الحنفية، فكان يدرس فيه، وإذا دخل الوقت .. بادر بالصلاة، فتعب من ذلك الحنفية، فلم يحفل بهم، وكان لا يوجد إلا مدرسا أو مصليا، ثم إنه في بعض الأيام استدعى أخاه أبا الحسن وهو جد بني الحطاب الموجودين في النويدرة، فقال له: إني رأيت الباري سبحانه وتعالى يقول لي:

يا محمد؛ أنا أحبك، فقلت: يا رب؛ من أحببته .. ابتليته، فقال لي: استعدّ للبلاء، فكن يا أخي على حذر من أمري، فلما كان آخر ذلك اليوم .. صلّى العصر بالأشاعر، ثم خرج إلى بيته، فغشي عليه في الطريق، فيقال: إن الفقيه إسماعيل الحضرمي مرّ به وهو في تلك الحالة، فقبل بين عينيه وقال له: أهلا بك يا محبوب، وهو إذ ذاك ابن خمس وعشرين سنة، ففسخ عليه شيخه نكاح ابنته، واشترى له جارية من ماله تقوم به، وخطبت زوجته فقالت: لا أريد به بدلا حيا ولا ميتا، فكانت الجارية تربيه وتحفظه، وربما ضربته، وكان غالب أحيانه مربوطا إلى شيء أكيد، وكان الطلبة وغيرهم من أصحابه يقرءون عليه في أوقات يكون فيها حاضر الذهن، ويباحثونه في العلم، فإذا تغير .. خرجوا عنه، ومن لم يعرف حاله .. صفقت الجارية فيخرج، وكان من أكثر الناس حفظا للآثار والأمثال والأخبار.

يحكى أن المظفر قال لجلسائه: أذكر بيتين كنت أحفظهما في الصغر، لا أذكر منهما غير حضني أو حضنا، أود روايتهما ولو بمال، وأخبر بحال الفقيه المذكور وأنه قد يفيق في بعض الأوقات ويسأل عن عدة مسائل فيجيب عنها، فسئلت الجارية عن وقت صفاء ذهن الفقيه، فقالت: بين المغرب والعشاء، فلما كان مع المغرب .. أرسل لها المظفر بمركوب وغلام يركبه، وأمرها أن تصل مع الفقيه إلى حضرة السلطان، وكانت الجارية قد استعدت لذلك بغسل الفقيه وتنظيفه، فحضر مجلس المظفر وهو غاص بالفقهاء والأمراء وأعيان الدولة، فسئل عن أي مكان هو فيه، فقال: مقام السلطان الملك المظفر، ثم قال:

يا يوسف؛ كان والدك صاحبي، فقال له السلطان: نعم الصاحب أنت يا فقيه، ثم سئل عن الحاضرين شخصا شخصا، وكلما سئل عن شخص .. قال: هو فلان بمعرفة شافية، حتى سئل عن ابن دعاس وكانت بينهما مكارهة فقال: هذا ابن عم أخيه فقيل له: إن السلطان كان يحفظ أيام الصغر بيتين نسيهما، غير أن في أحدهما حضني أو حضنا، فقال: هما بيتان مشهوران، يقول صاحبهما: [من مجزوء الرمل]

راحة المرء صغيرا ... بين حضني والديه

فإذا ماتا أحالا ... بشقا الدنيا عليه

<<  <  ج: ص:  >  >>