فقال المظفر: هما والله البيتان، وسر بهما، فخلع عليه السلطان، ثم تكلم بكلام غير منضبط، فقالت الجارية: هذا أوان تغير حاله، فأعيد إلى بيته مسرعا.
ويحكى أن المظفر قد أمر من عد له ثلاث مائة دينار، ثم استشار ابن دعاس فيما سيعطيه، فقال ابن دعاس: إنّ هذا لا يعرف ما صار إليه، وإنما يصير إلى جارية، فبينما هم في المشاورة؛ إذ قال ابن الحطاب: من هذا الذي اختصه مولانا بمشاورته، فقال السلطان: هذا الفقيه سراج الدين، فقال ابن الحطاب: ومن سراج الدين؟ ! ما نعرف سراج الدين وجمال الدين وبدر الدين وشمس الدين إلا محمدا رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فقال المظفر لابن دعاس: أحرقتنا بنارك، وأعطاه الثلاث مائة.
ثم إن المظفر أمر الطبيب بمباشرة ابن الحطاب، ووعده على عافيته إعطاء ما سأل، فيحكى أنه نظر إليه واستبشر له بالفرج، فقال له ابن دعاس: والله لئن تعافى لا ترك لك ولا لأحد من الفضلاء قدرا؛ فإنه في كل علم باقعة، فوقع في نفس الطبيب ما قاله ابن دعاس فقال للمظفر: هذا لا يصح إلا بالعراق، فقال المظفر: فلو بعثناه إلى العراق وتداوى ثم رجع .. هل يخشى عليه شيء؟ فقال: نعم، فأعرض السلطان عن ذلك، وأجرى على الفقيه كل يوم عشرين درهما، فلم يزل ابن دعاس بالسلطان حتى نقصها، ثم صارت بعد ذلك إلى درهمين، واستمر ذلك بعد موته على ذريته.
حكى الجندي عن والده: (أنه زار الفقيه ومعه شخص من أصحابه، قال: فسلمنا عليه، فرد السلام علينا ردا جيدا، ثم قال لصاحبي: يا محمد؛ هل جئتنا بشيء؟ فقال:
جئت بنفسي، فأنشد ابن الحطاب ارتجالا:[من الطويل]
أتانا أخ من غيبة كان غابها ... وكان إذا ما غاب ننشده الركبا
فقلنا له هل جئتنا بهدية ... فقال بنفسي قلت نطعمها الكلبا
قال: وكان بينه وبين الفقيه موسى بن أحمد التباعي شارح «اللمع» صحبة ومكاتبة، وأنه لما دخل كتابه «شرح اللمع» إلى زبيد .. كتب إليه بشعر يقول فيه:[من الطويل]
ترى دهسات الرمل من جانب الند ... على عهدها أم قد تغيرن من بعدي
منازل من مي عهدنا بها المها ... لها فتكة تربى على صولة الأسد
هنالك إذ مي على أيمن الحمى ... وهند بيسراه فيا لك من هند
سقى الله ربعا للأحبة باللوى ... على عقدات الكثب والسهل كالعقد