عسكر البلد لقتالهم، فلم تزل الحرب بينهم مستقيمة إلى نحو ربع النهار، ثم رجع سلمان إلى مراكبه منهزما، وقتل جماعة من أهل البلد بالنبل والبندق، وكان السلطان لما علم بوصول المصريين إلى بندر عدن .. أرسل أخاه الشيخ عبد الملك شدادة لأهل عدن، وكان جماعة من البدو قد أغاروا على الرعارع لينهبوها، فلما وصلوها .. بلغهم الخبر أن الشيخ عبد الملك بمعالي الوادي، فاستمروا راجعين، فتعرض لهم جماعة من العبيد الذين مع الشيخ عبد الملك، فقتل البدو عبدا من عبيد الدولة، وأمر الشيخ عبد الملك بالكف عن قتال البدو، ثم دخل لحج، ثم رحل عنها إلى عدن، فأصبح يوم الخميس ثاني الوقعة بالتلاج، فنصب خيامه ثمّ، وأقام فيه طول نهاره، فلما رأى المصريون كثرة الخيام ..
سألوا عن ذلك وكان لهم جواسيس وعيون، فأخبروا بوصول الشيخ عبد الملك وقد لقوا منه اللقاء بوقعة المرجف، فأيسوا من البلد، ودخل الشيخ عبد الملك إلى عدن مع الغروب ليلة الجمعة، وأراد دخول دار السعادة من الباب الكبير من ناحية الميدان، فأشار عليه الأمير وجماعة بدخوله من باب السر خشية أن يرمي المصريون بالبنادق والمدافع، فدخلها من باب السر، وصلّى الجمعة بعدن، فلما تحققوا دخول الشيخ عبد الملك .. شالوا جميع ما كان لهم بصيرة من المدافع وغيرها إلى المراكب، وأصبحوا يوم السبت مرتفعين عن البندر راجعين من حيث جاءوا، فصادفوا مركب التركي وصل من جدة يريد الهند وقصده الدخول إلى حقّات لإنزال ركبه وحمل فيه إلى عدن، فمنعوه من دخول عدن، ولم يغيروا عليه حالا، فعزم إلى الهند بمن معه، وتوجّه المصريون إلى جهة الشام وكانوا مقلين من الماء، فدخلوا رباك يستقون وفيها عسكر العقارب وغيرهم، فقاتلوهم وحصروهم في حضيرة يقال: إنه كان سلمان في الحضيرة محصورا، فرمى المصريون بندقا أصاب بعض العرب، فانجفلت العرب، فخرج المصريون من الحضيرة إلى مراكبهم، واختلف سلمان وحسين، وقصد سلمان زيلع، فشحن منها البر وسار إلى جدة، وقصد حسين باب المندب، ثم المخا، ثم المتينة، ثم كمران، وتوجه منها إلى جدة، وصام الشيخ عبد الملك رمضان بعدن، وعيد بها عيد الفطر (١).
وفي ليلة الخامس والعشرين من رمضان: وقع بعدن مطر عظيم امتلأ منه الصهاريج جميعها، وأمر الشيخ عبد الملك بعمارة ما تخرب من سور عدن، فعمر عمارة قوية، وكان
(١) «الفضل المزيد» (ص ٣٦١)، و «تاريخ الشحر» (ص ١١١).