يقال له: غفرة، فكانت بينهما وقعة قتل فيها من الأتراك وجموعهم وأشراف جازان ومن معهم جمع عظيم، وحصرهم عسكر السلطان من كل جانب، وكاد يحاط بهم، فبذلوا مالا جزيلا لعبد النبي بن سعيد حتى أرخى له قليلا من جانبه، فنفروا منه إلى جهة رداع، واستولوا عليها من غير قتال بمساعدة الأمير بها يومئذ، ثم تقدموا إلى صنعاء.
وأما السلطان .. فإنه لما خرج من المقرانة .. توجه إلى الخلقة، فتبعه طائفة من المصريين، فهرب من الخلقة إلى قرب بلد يافع بموضع يقال له: الوسايا، وألقى الله الرعب في قلبه منهم، حتى بلغني أنه رأى فارسا واحدا من أصحابه، فظنه من الترك أو أنه يطرد هاربا منهم، فهرب من ذلك الرجل، وطلب من يافع بعض حصونهم يكنّ نفسه فيه وحرمه، فلم يساعدوه، وقاسى من الذل والجوع والهوان هو وأهله ما لم يقاسه إنسان، فسبحان المذل بعد العزة، والمقل بعد الكثرة!
ولما بلغه ما حصل على المصريين في الغفرة .. استفزه الفزع، وطمع في الظفر بهم، فسار من الخلقة ودخل المقرانة، وترك بها ابنه أحمد، وخرج مسرعا يقافي الجند والعسكر ملاحقا للمصريين إلى صنعاء ومعه أخوه الشيخ عبد الملك، وابنه أبو بكر، وابن أخيه عامر بن عبد الملك، وبلغني أن أخاه الشيخ عبد الملك عذله عن ملاحقة المصريين إلى صنعاء وقال له: أنت تعرف عداوة الزيدية، فنقع بين عدوين المصري والزيدي، فلم يصغ إلى كلامه، ونسبه إلى الجبن والذل منهم ليقضي الله أمرا كان مفعولا، فسار إلى أن وصل قريبا من صنعاء بحيث يراها والمصريون حينئذ محاصرون لها ولأهلها ولم يقدروا منها على شيء، فلما علم الجند المصري بوصول السلطان .. قصدوه قبل أن تحطّ الأحمال، فكانت بينهم وبين العسكر السلطاني وقعة قتل فيها أخو السلطان الشيخ عبد الملك بن عبد الوهاب؛ أصابته جليلة في وجهه وعاده لم يلبس للقتال، فسقط ميتا، وقتل معه أكثر عبيده وعساكره، وذلك ليلة الخميس رابع وعشرين ربيع الأول، فلما رأى السلطان ذلك .. عدل إلى جهة جبل نقم بعد أن أخذه شبه الوله لفقد أخيه، فلاحقه الجند المصري وحصروه بالجبل، فبات به، ثم انحدر منه صبح يوم الجمعة ثاني قتل أخيه متوجها إلى حصن ذمرمر ليتحصن به، فأدركه الجند المصريون في الطريق يمشي وقد زحف وعجز عن المسير، فلم يعرفوه، وقتلوه، ثم تحققوا أنه السلطان، فأخذوا رأسه ورأس أخيه، فتقدموا بالرأسين وبابنه أبي بكر وابن أخيه الشيخ عامر بن عبد الملك أسيرين، وأرسلوا بالرأسين إلى صنعاء صحبة الشهاب الجبرتي ليخبر الأمير البعداني أمير صنعاء بذلك، فلما تحقق الأمير البعداني