وأقام الحسين بمكة إلى يوم التروية، وكتب أهل الكوفة إليه بحلف يستحثونه في الوصول إليهم؛ ليبايعوه وينصروه، فقدّم قبله ابن عمه مسلم بن عقيل بن أبي طالب إلى الكوفة يبايع له ويستوثق له الأمر، وخرج في إثره يوم التروية، فدخل مسلم الكوفة سرا، واختفى في بيت هاني بن عروة المرادي، وأتاه وجوه أهل الكوفة فبايعوه للحسين سرا، ثم إنهم أخبروا عبيد الله بن زياد بمكانه، فأرسل إليه وجيء به إلى بين يديه، فلما همّ بقتله ..
أشار إلى عمر بن سعد بن أبي وقاص، وأسرّ إليه أن الحسين ورائي، فاكتب إليه بأمري ليرجع من حيث جاء، ولا يغترّ بأهل الكوفة، وقتل مسلم بن عقيل، فقال عمر بن سعد لابن زياد: أتدري بما أسر إليّ مسلم؟ قال: اكتم على ابن عمك سره، قال: الأمر عظيم، قال: وما هو؟ قال: فأخبرني بأن الحسين وراءه، فقال له ابن زياد: وأما إذا دللت عليه .. فو الله؛ لا يخرج إليه إلا أنت، ثم سيره في جيش لقتال الحسين، فأدركوا الحسين بكربلاء، ولم يزل ابن زياد يمدهم بالعسكر حتى بلغوا اثنين وعشرين ألفا، فضيقوا على الحسين أشد التضييق، ومنعوه الماء، فخيرهم الحسين بين ثلاثة أمور في واحد منها:
إما أن يتركوه يرجع من حيث جاء، أو يتركوه يسير إلى يزيد بالشام فيبايعه، أو يتركوه يتوجه هو وأصحابه إلى بعض الثغور للجهاد، فكتبوا إلى ابن زياد يعلموه بذلك، فقال: لا إلا أن ينزل على حكمي، فقال: لا أنزل على حكم ابن سمية، وكان رضي الله عنه يأنف عن مبايعة معاوية فضلا عن يزيد والنزول على حكم ابن الدعي.
ويقال: إن ابن زياد أمّر على الجيش الحر بن يزيد التميمي، فلما رأى امتناعهم فيما عرضه عليهم الحسين .. انحاز إلى فئة الحسين، وقاتل معهم حتى قتل، فأمّر عبيد الله بن زياد على الجيش عمر بن سعد، فلما رأى التواني من عمر في الإقدام على القتال .. كتب إليه: لتفرغنّ من أمره أو لأبدأنّ بك قبله، ولم يزل أصحابه يبارزون فيقتلون ويقتلون إلى أن قتل من أصحابه مبارزة اثنان وسبعون رجلا، ثم خلص إليه، فقتل جميع بنيه إلا علي بن الحسين المعروف بزين العابدين؛ فإنه كان مريضا، فترك من القتل لذلك، وقتل رضي الله عنه وبه ثلاث وثلاثون طعنة وأربع وثلاثون ضربة، وقتل أكثر إخوة الحسين وأقاربه.
ويقال: إنه قتل من أولاد فاطمة رضي الله عنها ستة عشر أو سبعة عشر رجلا، وقيل:
إنه قتل معه من إخوته وولده وأهل بيته ثلاثة وعشرون رجلا غير من قتل معهم من غيرهم، وفيهم يقول القائل:[من الخفيف]