وانتهك خيام الحرم المصون، وسبي حريمهم كما تسبى الأسارى، وحز رأس الحسين شمر بن الجوشن، وحمله إلى ابن زياد ودخل عليه وهو يقول:[من الرجز]
أوقر ركابي فضة وذهبا ... أنا قتلت الملك المحجبا
قتلت خير الناس أما وأبا ... وخيرهم إذ يذكرون نسبا
فغضب ابن زياد وقال: إذا علمت أنه كذلك .. فلم قتلته؟ والله؛ لا تلقى مني خيرا، ولألحقنك به، ثم ضرب عنقه، ودخل بعلي بن الحسين والحرم أسارى إلى ابن زياد بالكوفة، فأمر ابن زياد أن تقور الرءوس حتى تنصب في الرمح، فتحامى الناس ذلك، فقام طارق بن المبارك-بل هو المشئوم-فقوره ونصبه بباب الجامع، وخطب خطبة لا يحل ذكرها، ثم دعا ابن زياد بعلي بن الحسين، فحمله وحمل أخواته وعماته على محامل بغير وطاء، وسيّرهم إلى الشام إلى يزيد، وسير معهم بالرأس المكرم، فدخلوا به دمشق من باب توما، وأقيموا على درج باب الحاج حيث تقام الأسارى والسبي، ثم وضع الرأس الشريف بين يدي يزيد، فأمر أن يجعل في طست من ذهب، وجعل ينكت فيه بقضيب في يده، فقال في حسنه شيئا، فقال أنس رضي الله عنه: كان أشبههم برسول الله صلّى الله عليه وسلم، ويقال: إن يزيد عند ما وضع الرأس بين يديه قال: [من الطويل]
صبرنا وكان الصبر منا عزيمة ... وأسيافنا يقطعن كفا ومعصما
تفلّق هاما من رجال أعزة ... علينا وهم كانوا أعقّ وأظلما
ويقال: إن يزيد لما رأى الرأس والأسارى .. أظهر الكراهة لما فعله ابن زياد، وقال:
لو كان بين الحسين وبين ابن سمية رحم .. ما فعل هذا، ولو كنت مكانه .. لأجبت الحسين إلى ما بذل أو معنى ذلك، ثم استشار حاضري مجلسه فيما يفعل بهم، فتكلم كل منهم على قدر دينه.
فقال له بعض أصحابه: افعل بهم ما كان يفعله رسول الله صلّى الله عليه وسلم إذا رآهم في هذه الحالة، فقال: صدقت، فأكرمهم وأعزهم، ثم أرسل بالرأس الشريف ومن بقي من أهل بيته إلى المدينة، وجهزهم بكل ما يحتاجون إليه، فدفن الرأس الشريف بالبقيع عند قبر أمه فاطمة.