عليه، ففعل العامل، وأرسل الجواب إلى الحجاج، فلما وقف على غريبه وفصاحته ..
علم أنه ليس من كلام كتّاب الخراج، فدعا برسائل عامل عين التمر؛ فإذا هي ليست ككتاب ابن القرية، فكتب الحجاج إلى العامل:
أما بعد: فقد أتاني كتاب بعيد من جوابك، وأظنه من غيرك، فإذا وصلك كتابي .. فلا تضعه في يدك حتى توجه إليّ بالرجل الذي سطر الكتاب، والسلام.
فلما وقف العامل على كتاب الحجاج .. قال لابن القرية: تتوجه نحوه ولا بأس عليك، وأمر له بكسوة ونفقة، وحمله إلى الحجاج، فلما دخل عليه .. قال: ما اسمك؟ قال:
أيوب، قال: اسم نبي، وأظنك أميا تحاول الفصاحة ولا يستصعب عليك المقال، وأنزله بنزل ومنزل ولم يزل يزداد عجبا حتى أوفده على عبد الملك بن مروان.
فلما خلع ابن الأشعث الطاعة بسجستان .. بعث الحجاج ابن القرية إليه رسولا، فلما دخل عليه .. قال له ابن الأشعث: لتقومن خطيبا، ولتخلعن عبد الملك وتشتم الحجاج أو لأضربن عنقك.
قال أيها الأمير: إنما أنا رسول، قال: هو ما أقول لك، فقام وخطب، وخلع عبد الملك، وشتم الحجاج، وأقام عند ابن الأشعث إلى أن انهزم ابن الأشعث في وقعة دير الجماجم، فكتب الحجاج إلى عماله بالري وأصبهان وما يليها: ألاّ يمر بهم أحد من أصحاب ابن الأشعث إلا بعثوا به أسيرا إليه، فأخذ ابن القرية فيمن أخذ، فلما أدخل على الحجاج .. قال: أخبرني عما أسألك عنه، قال: سل عما بدا لك.
قال: أخبرني عن أهل العراق، قال: أعلم الناس بحق وباطل.
قال: فأهل الحجاز، قال: أسرع الناس إلى فتنة، وأعجزهم عنها.
قال: فأهل الشام، قال: أطوع الناس لخلفائهم.
قال: فأهل مصر، قال: عبيد من خلب؛ أي: خدع.
قال: فأهل الموصل، قال: أشجع الفرسان، وأقتل للأقران.
قال: فأهل اليمن، قال: أهل سمع وطاعة، ولزوم الجماعة.
ثم سأله عن قبائل العرب وعن البلدان وهو يجيب بأفصح عبارة، ثم قال: إن العرب تزعم أن لكل شيء آفة، قال: صدقت العرب أصلح الله الأمير.