للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليه دواب سليمان، فركب منها بغلة شهباء وانصرف، ثم بدأ بأهله فرد ما كان بأيديهم من المظالم، ثم فعل ذلك بالناس، ثم كتب إلى عماله في الجهات برد المظالم إلى أهلها.

وعن أبي بكر بن محمد قال: كتب إليّ عمر: أن استقر في الدواوين، فانظر إلى كل جور جاره من قبلي في حق مسلم أو معاهد فرده إليه، فإن مات أهل المظلمة .. فرده إلى ورثتهم، وما كان يقدم على أحد من عماله كتاب منه إلا فيه رد مظلمة، أو إحياء سنة، أو إطفاء بدعة، أو قسم، أو تقدير عطاء حتى خرج من الدنيا.

ولما استخلف .. باع كل ما كان بملكه من الفضول من عبد ولباس وعطر وكل ما يستغنى عنه، فبلغ ذلك ثلاثة وعشرين ألف دينار، فجعله في السبيل، وكان قبل الخلافة متنعما في مطعمه وملبسه، حتى إنه كان يؤتى بالثوب النفيس فيقول: ما أحسنه لولا خشونة فيه، فلما ولي الخلافة .. زهد في الدنيا، حتى كان يؤتى بالثوب الخشن فيقول: ما أحسنه لولا نعومة فيه.

وقال رضي الله عنه: لي نفس تواقة تاقت إلى معالي الأمور فنالت الخلافة، ثم تاقت إلى الجنة.

ومناقبه كثيرة، وقد أجمعوا على جلالته وفضله، ووفور علمه وصلاحه، وزهده وورعه، وعدله وشفقته على المسلمين، وحسن سيرته فيهم، وبذل وسعه في الاجتهاد في طاعة الله تعالى، وحرصه على اتباع آثار رسول الله صلّى الله عليه وسلم والاقتداء بسنته وسنة الخلفاء الراشدين.

وخرج في أيامه بسطام اليشكري الخارجي المعروف بشوذب في ثمانين رجلا، وهزم جيوش العراق، فكتب إليه عمر: بلغني أنك خرجت كما تزعم غضبا لله تعالى ولرسوله صلّى الله عليه وسلم، ولست بأولى بذلك مني، فهلم فلنتناظر؛ فإن كان الحق بأيدينا ..

دخلت فيما دخل فيه الناس، وإن كان في يدك .. نظرنا في أمرك، فأمسك بسطام عن الحرب، وبعث إليه رجلين، فلما وصلا إلى عمر .. قالا له: أخبرنا عن يزيد لم تقره خليفة بعدك؟

قال: صيّره غيري.

قالا: أفرأيت لو وليت مالا لغيرك، ثم وكلته إلى غير مأمون عليه أتراك كنت أديت الأمانة إلى من ائتمنك عليه؟

<<  <  ج: ص:  >  >>