عندهم، فأعجبهم عقله ومعرفته وكلامه وأدبه، ومال هو إليهم، وعرفهم أنه عرف أمرهم، وأنهم دعاة، واتفق مع ذلك أن هرب عيسى وإدريس من السجن، فعدل أبو مسلم من دور بني عجل إلى هؤلاء النقباء، ثم خرج معهم إلى مكة حرسها الله تعالى، فورد النقباء على إبراهيم بن محمد بن علي-وقد تولى الإمامة بعد وفاة أبيه-بعشرين ألف دينار ومائتي ألف درهم، وأهدوا إليه أبا مسلم، فأعجب به وبمنطقه وعقله وأدبه، فأقام أبو مسلم عند الإمام يخدمه حضرا وسفرا.
ثم إن النقباء عادوا إلى إبراهيم بن الإمام في بعض السنين، وسألوه رجلا يقوم بأمر خراسان، فقال: إني قد جربت هذا الأصبهاني، وعرفت ظاهره وباطنه، فوجدته حجر الأرض، ثم دعا أبا مسلم، وقلده الأمر وأرسله إلى خراسان، فدخل خراسان وهو شاب، ونهض بالدعوة وهو ابن ثمان عشرة سنة، وقيل: ابن ثلاث وثلاثين سنة، فكان يدعو الناس إلى رجل من بني هاشم، وإلى الرضي من أهل بيت رسول الله صلّى الله عليه وسلم أربع سنين، ومروان بن محمد يحتال على الوقوف على حقيقة الأمر، وأن أبا مسلم إلى من يدعوهم؟ فلم يزل على ذلك حتى ظهر له أن الدعوة لإبراهيم الإمام، وكان مقيما عند أهله وإخوته بكداب بناحية البلقاء، فأرسل إليه وقبض عليه، وأحضره إلى عنده بحران، وأوصى إبراهيم بالأمر بعده لأخيه السفاح، فلما وصل إبراهيم إلى حران .. حبسه مروان بها، ثم غمه بحران بموضع فيه نورة وجعل فيه رأسه، ثم شد عليه إلى أن مات، ولم يزل أبو مسلم يتحيل بإعانة رجال من شيعة بني العباس وبعثاتهم، وأقام على ذلك أربع سنين حتى وقف على مرو فملكها، وكان أول ظهور أبي مسلم بمرو من خراسان في سنة تسع وعشرين ومائة، والوالي بخراسان يومئذ من جهة مروان بن محمد نصر بن سيار، فكتب نصر بن سيار إلى مروان بقول ابن أبي مريم البجلي الكوفي:[من الوافر]
أرى خلل الرماد وميض نار ... ويوشك أن يكون لها ضرام
فإن النار بالزندين تورى ... وإن الحرب أولها كلام
لئن لم يطفها عقلاء قوم ... يكون وقودها جثث وهام
أقول من التعجب ليت شعري ... أأيقاظ أمية أم نيام
فإن كانوا لحينهم نياما ... فقل قوموا فقد حان القيام
وفي سنة اثنتين وثلاثين ومائة وثب أبو مسلم على مقدم خراسان، وخرج من خراسان بعد