فجعلها مروان بن أبي حفصة مدحا في معن بن زائدة بعد أن غيرها وزاد فيها ونقص.
ودخل معن يوما على المنصور وقد أسن، فقال له: لقد كبرت يا معن! قال: في طاعتك يا أمير المؤمنين، فقال: إنك لجلد! قال: على أعدائك يا أمير المؤمنين، فقال:
وفيك بقية، قال: هي لك يا أمير المؤمنين، وعرض هذا الكلام على عبد الرحمن بن زيد زاهد البصرة، فقال: ويح هذا؛ ما ترك لربه شيئا.
وحكى الأصمعي قال: وفد أعرابي على معن بن زائدة، فمدحه وطال مقامه على بابه، ولم تحصل له جائزة، فعزم على الرحيل، فخرج معن راكبا، فأمسك الأعرابي عنان دابته وقال: [من الطويل]
وما في يديك الخير يا معن كله ... وفي الناس معروف وعنك مذاهب
ستدري بنات العم ما قد أتيته ... إذا فتّشت عند الإياب الحقائب
فأوقر معن خمس نوق من كرام إبله ميرة وثيابا، وقال: انصرف يا بن أخي إلى بنات عمك، فلئن فتشن الحقائب .. ليجدن ما يسرهن، فقال: صدقت وبيت الله.
وذكر الخطيب في «تاريخه»: (عن أبي عثمان المازني قال: حدثني صاحب شرطة معن قال: بينما أنا على رأس معن؛ إذا هو براكب يوضع، فقال: ما أحسب الرجل يريد غيري، ثم قال لحاجبه: لا تحجبه، فجاء حتى مثل بين يديه وأنشد: [من المنسرح]
أصلحك الله قلّ ما بيدي ... فما أطيق العيال إذ كثروا
ألح دهر رمى بكلكله ... فأرسلوني إليك وانتظروا
فقال معن-وأخذته أريحية-: لا جرم والله؛ لأعجلن أوبتك، ثم قال: يا غلام؛ أعطه الناقة الفلانية، وألف دينار، فدفعها إليه وهو لا يعرفه) (١).
واتفقت له قصة غريبة في اختفائه، وذلك: أن المنصور جد في طلبه، وجعل لمن يأتيه به مالا، قال: فتعرضت للشمس حتى لوحت وجهي، وخففت عارضي، ولبست جبة صوف، وركبت جملا متوجها إلى البادية لأقيم بها، فلما خرجت من باب حرب-أحد أبواب بغداد- .. تبعني أسود متقلد بسيف حتى إذا غبت عن الحرس أناخ بي الجمل، وقبض على يدي فقلت: ما لك؟ ! فقال: أنت طلبة أمير المؤمنين، فقلت: ومن أنا حتى
(١) «تاريخ بغداد» (١٣/ ٢٣٧).