للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مولاها، وقال: اشهدوا أنها حرة وقد تزوجتها، فوهب له جعفر المال ولم يأخذ منه شيئا.

وكان عنده يوما أبو عبيد الثقفي، فقصدته خنفساء، فأمر جعفر بإزالتها، فقال أبو عبيد: دعوها عسى يأتي بقصدها إليّ خير؛ فإنهم يزعمون ذلك، فأمر له جعفر بألف دينار وقال: نحقق زعمهم، فأمر بتنحيتها ثم قصدته ثانيا، فأمر له بألف دينار أخرى.

يقال: إنه لما حج .. اجتاز في طريقه بالعقيق، وكانت سنة مجدبة، فاعترضته امرأة وأنشدت: [من الكامل]

إني عبرت على العقيق وأهله ... يشكون من مطر الربيع نزورا

ما ضرهم إذ جعفر جار لهم ... ألا يكون ربيعهم ممطورا

قيل: والبيت الثاني مأخوذ من قول الضحاك بن عقيل الخفاجي من جملة أبيات:

ولو جاورتنا العام سمراء لم نبل ... على جدبنا ألا يصوب ربيع

فأجزل جعفر للمرأة المذكورة العطاء، ومع ذلك فكان أخوه الفضل أجود منه.

وكان جعفر متمكنا عند الرشيد، غالبا على أمره، وكان له عند الرشيد من علوّ القدر ونفاذ الأمر وعظم المحل وجلالة المنزلة ما لم يشاركه فيه غيره، حتى إن الرشيد اتخذ ثوبا واحدا كان يلبسه هو وجعفر جملة.

ومما يحكى من مكانته عند الرشيد: أن الرشيد غضب على عبد الملك بن صالح الهاشمي، فاختلى جعفر يوما بأصحابه في مجلس أنس وقال لحاجبه: لا يدخل علينا أحد إلا عبد الملك القهرمان، فجاء عبد الملك بن صالح الهاشمي المذكور يستأذن على جعفر، وكان ذا صيانة وديانة، فظن الحاجب أنه الذي أمره جعفر بإدخاله، فأدخله عليه، فلما رآه جعفر .. تغير لونه، فلما رآهم عبد الملك على تلك الحال، وظهر له أنهم احتشموه .. أراد أن يرفع الخجل عنه وعنهم، فقال: اصنعوا بنا ما صنعتم بأنفسكم، فأتاه الغلام بثياب المنادمة، ثم جلس يشرب معهم، ولم يكن ذلك من شأنه، وقال للساقي: خفف عني؛ فإني ما شربته قط، فتهلل وجه جعفر فقال له: هل من حاجة؟ قال: نعم، أمير المؤمنين غضبان علي، فاسأله الرضى، قال: قد رضي عنك أمير المؤمنين، قال: وعلي أربعة آلاف ألف درهم تقضيها عني، قال: هي حاضرة، ولكن كونها من أمير المؤمنين أشرف بك، وأدل على حسن ما عنده لك، قال عبد الملك: وابني إبراهيم أريد أن أرفع قدره بصهر من أمير المؤمنين، قال: قد زوجه أمير المؤمنين العالية ابنته، قال: وأحب أن تخفق

<<  <  ج: ص:  >  >>