الألوية على رأسه، قال: نعم، قد ولاه أمير المؤمنين مصر، قال إبراهيم بن المهدي الراوي للحكاية-وكان أحد ندماء جعفر في تلك الواقعة-: فانصرف عبد الملك بن صالح، وأنا أعجب من إقدام جعفر على قضاء الحوائج من غير استئذان الرشيد.
فلما أصبح .. غدا جعفر إلى الرشيد، فأخبره بفعل عبد الملك ومساعدته لهم فيما كانوا عليه، وطلبه ما طلبه وإنعام جعفر بما طلب، وفي كل ذلك يقول الرشيد لجعفر: أحسنت أحسنت، ثم أمضى لعبد الملك جميع ما أنعم له به جعفر.
ثم إن الرشيد سخط على البرامكة، وأضمر لهم السوء، فحج في سنة ست وثمانين، وصدر إلى الحج في أول سنة سبع، فلما بلغ العمر-موضع من الأنبار- .. دعا الرشيد غلامه ياسر وقال: اذهب إلى جعفر بن يحيى وائتني برأسه، فوجم ياسر لا يرد جوابا، فقال له:
ما لك؟ ويلك، قال: الأمر عظيم، وددت أني مت من قبل وقتي هذا، فقال: امض لما أمرتك به، فمضى إلى أن دخل على جعفر وأبو زكار-بالزاي قبل الكاف وآخره راء-يغنيه، ونصبت الستائر، وجواريه عنده:[من الوافر]
فلا تبعد فكل فتى سيأتي ... عليه الموت يطرق أو يغادي
وكل ذخيرة لا بد يوما ... وإن بقيت تصير إلى نفاد
ولو فوديت من حدث الليالي ... فديتك بالطريف وبالتلاد
فدخل عليه ياسر من غير إذن، فقال: يا ياسر؛ سررتني بإقبالك، وسؤتني بدخولك عليّ من غير إذن، قال: الأمر أكبر من ذلك؛ قد أمرني أمير المؤمنين بكذا وكذا، فأقبل جعفر يقبل يدي ياسر وقال: دعني أدخل وأوصي، فقال: لا سبيل إلى ذلك، أوص بما شئت، قال: فارجع وأعلمه بقتلي، فإن ندم .. كانت حياتي على يدك، وإلا .. أنفذت أمره فيّ، قال: لا أقدر، قال: فأسير معك إلى مضربه، وأسمع كلامه ومراجعتك، فإن أصر .. فعلت، قال: أما هذا .. فنعم، ثم إنه سار به إلى مضرب الرشيد، فلما سمع حسه .. قال له: ما وراءك؟ فذكر له قول جعفر، فسبه وقال: والله؛ لئن راجعتني ..
لأقدمنك قبله، فرجع فقتله وجاء برأسه، فلما وضعه بين يديه .. أمر بضرب عنق ياسر، فقال: لا أرى قاتل جعفر، فلما قتل جعفر .. أرسل الرشيد من يقبض على يحيى وابنه الفضل، ويوقرهما حديدا، ويحملهما إلى حبس الزنادقة، وبالقبض على أولادهم وإخوانهم وقراباتهم.