وحسن تدبيرك، وقد قلدتك الأمر، ودفع إليه خاتمه، وفي ذلك يقول الموصلي:[من الطويل]
ألم تر أن الشمس كانت سقيمة ... فلما ولي هارون أشرق نورها
بيمن أمين الله هارون ذي الندى ... فهارون واليها ويحيى وزيرها
ومن كلام يحيى: ثلاثة أشياء تدل على عقول أربابها: الهدية، والكتاب، والرسول، وكان يقول لولده: اكتبوا أحسن ما تسمعون، واحفظوا أحسن ما تكتبون، وتحدثوا بأحسن ما تحفظون.
ومما يدل على غزارة عقله، وصواب رأيه: ما يحكى أن الرشيد استشاره في هدم إيوان كسرى، فأشار عليه بالترك، فلم يحمله هارون على النصحية، وظن أنه أحب بقاء آثار المجوس؛ لما يقال: إن أصل البرامكة مجوس، وربما شافهه بذلك تبكيتا، فشرع الرشيد في الهدم، فغرم على هدم قطعة يسيرة أموالا جزيلة، وصعب الهدم عليه وتعسر؛ لقوة إحكام بنائه، فاستشار يحيى ثانيا في ترك الهدم، فأشار عليه بألا يترك ما شرع فيه من الهدم، فقال: سبحان الله! أشرت أولا بترك الهدم، وأشرت ثانيا بالهدم، فقال ما معناه:
أشرت أولا بترك الهدم؛ ليعرف شرف الإسلام وعلوه وقوة تأييده على من رأى تلك الآثار التي ظهر عليها الإسلام، وأذل أهلها، وأزال ملكهم الذي كان زواله لا يرام، وعزه لا يضام، فلما لم تقبل شوري، وشرعتم في هدمه، واستشرتني في ترك ذلك .. أشرت عليك بعدم الترك؛ لئلا يدل ذلك على ضعف الإسلام فيقال: عجز المسلمون عن هدم ما بناه المخالفون لدينهم، والهدم أسهل من البناء، فعرف الرشيد نصيحته في ذلك.
وله في الجود والكرم حكايات مشهورة:
منها: ما حكى إسحاق النديم الموصلي قال: كانت صلات يحيى بن خالد إذا ركب لمن تعرض له في الطريق .. مائتي درهم، فركب ذات يوم، فتعرض له شخص وأنشده:[من الخفيف]
يا سمي الحصور يحيى أتيحت ... لك من فضل ربنا جنتان
كل من مر في الطريق عليكم ... فله من نوالكم مائتان
مائتا درهم لمثلي قليل ... وهي منكم للقابس العجلان
قال يحيى: صدقت، وأمر بحمله إلى داره، فلما رجع من دار الخلافة .. سأله عن حاله، فذكر أنه تزوج امرأة، وقد أخذ بواحدة من ثلاث: إما أن يؤدي المهر وهو أربعة