آلاف، وإما أن يطلق، وإما أن يضم للمرأة منزلا وخادما وما يكفيها إلى أن يتهيأ له نقلها، فأمر له يحيى بعشرين ألفا: أربعة آلاف للمهر، وأربعة آلاف لثمن المنزل، وأربعة آلاف للكفاية، وأربعة آلاف للخدمة، وأربعة آلاف يستظهر بها.
ودخل عليه يوما أبو قابوس الحميري فأنشده: [من البسيط]
رأيت يحيى أدام الله نعمته ... عليه يأتي الذي لم يأته أحد
ينسى الذي كان من معروفه أبدا ... إلى الرجال ولا ينسى الذي يعد
فأجزل صلته.
وقال فيه مسلم بن الوليد الأنصاري: [من الطويل]
أجدك هل تدرين أن رب ليلة ... كأن دجاها من قرونك ينشر
صبرت لها حتى تجلت بغرة ... كغرة يحيى حين يذكر جعفر
فقضى حوائجه، ووصله بجملة من المال.
وفي جوده وجود ابنه ينشد هذان البيتان:
سألت الندى هل أنت حر فقال لا ... ولكنني عبد ليحيى بن خالد
فقلت شراء قال لا بل وراثة ... توارثني عن والد بعد والد
وكان يحيى يقول: إذا أقبلت الدنيا .. فأنفق؛ فإنها لا تبقى.
ونادى إسحاق بن إبراهيم الموصلي أحد غلمانه فلم يجبه، فقال: سمعت يحيى بن خالد يقول: يدل على حلم الرجل سوء أدب غلمانه.
وأخباره كثيرة، ومكارمه شهيرة، فلا نطول بذكرها.
ولما غضب الرشيد على البرامكة وقتل جعفرا .. حبس أباه يحيى المذكور، فلم يزل في الحبس إلى أن توفي سنة تسعين ومائة، ودفن في شاطئ الفرات، فوجد في جنبه رقعة مكتوب فيها بخطه: قد تقدم الخصم والمدعى عليه في الأثر، والقاضي هو الحكم العدل الذي لا يجور ولا يحتاج إلى بينة، فحملت إلى الرشيد، فلم يزل يبكي يومه كله، وبقي أياما يتبين الأسى في وجهه.