للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: فبينما نحن كذلك؛ إذ دخل الحاجب فقال: عباس بالباب، فقال: ائذن له، فدخل، فقال: يا عباس؛ تسرق معاني الشعر وتدعيه؟ فقال: ما سبقني إليه أحد، فقال: هذا الأصمعي يحكيه عن العرب والعجم، ثم قال: يا غلام؛ ادفع الجائزة إلى الأصمعي، قال: فلما خرجنا .. قال العباس: كذبتني وأبطلت جائزتي، فقلت: أتذكر يوم كذا وكذا؟ ثم أنشأ يقول: [من البسيط]

إذا وترت امرءا فاحذر عداوته ... من يزرع الشوك لم يحصد به عنبا

ويحكى عن الأصمعي أنه قال: مررت بالبادية، فوجدت امرأة حسنة تنزع من بئر وتنشد: [من الرجز]

أستغفر الله لذنبي كلّه ... قتلت إنسانا لغير حلّة

مثل غزال كانس في ظله ... وقد مضى الليل ولم أمله

والخمر مفتاح لهذا كلّه

فقلت لها: قاتلك الله ما أفصحك وأبلغك! فقالت: وهل ترك القرآن لذي فصاحة بلاغة؟ ! فقلت لها: أتقرءين القرآن؟ قالت: نعم، وأعرف آية جمعت أمرين ونهيين وخبرين وبشارتين، فقلت: وما هي؟ قالت: قوله تعالى: {وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخافِي وَلا تَحْزَنِي إِنّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ.}

قال الأصمعي: قال لي الرشيد ليلة وهو يسير في قبة: حدثني، قلت: يا أمير المؤمنين؛ إن مزرد بن ضرار كان شاعرا مليحا ظريفا، وإن أمه كانت تبخل عليه بزادها، وإنها غابت عن بيتها يوما، فوثب مزرد على ما في بيتها فأكله وقال: [من الطويل]

ولما غدت أمي تزور بناتها ... أغرت على العكم الذي كان يمنع

خلطت بصاعي عجوة صاع حنطة ... إلى صاع سمن فوقه يتربع

ودبّلت أمثال الأثافي كأنها ... رءوس نقاد مزقت لا تجمع

وقلت لبطني أبشر اليوم إنه ... حمى أمنا مما تصد وتجمع

فإن كنت مصفورا فهذا دواؤه ... وإن كنت غرثانا فذا يوم تشبع

فضحك الرشيد.

<<  <  ج: ص:  >  >>