للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وسأل الرشيد يوما أهل مجلسه عن صدر هذا البيت:

............... ... ومن يسأل الصعلوك أين مذاهبه

فلم يعرفه أحد، فقال إسحاق الموصلي: الأصمعي عليل، وأنا أمضي إليه وأسأله عنه، فقال الرشيد: احملوا إليه ألف دينار لنفقته، قال: فجاءت رقعة الأصمعي وفيها:

أنشدني خلف الأحمر لأبي النشناش النهشلي: [من الطويل]

وسائلة أين الرحيل وسائل ... ومن يسأل الصعلوك أين مذاهبه

وداوية تيهاء يخشى به الردى ... سرت بأبي النشناش فيها ركائبه

ليدرك ثأرا أو ليكسب مغنما ... جزيلا وهذا الدهر جمّ عجائبه

وذكر القصيدة كلها.

كان الرشيد إذا ركب .. عادله الفضل بن الربيع، وكان الأصمعي يسير قريبا من الرشيد بحيث يحاذيه، وإسحاق الموصلي يسير قريبا من الفضل، وكان الأصمعي لا يحدث الرشيد شيئا إلا ضحك، فحسده إسحاق فقال للفضل: كل ما يقول كذب، فقال الرشيد: أي شيء يقول؟ فأخبره الفضل، فغضب الرشيد وقال: والله؛ إن كان ما يقول كذبا .. إنه لأظرف الناس، وإن كان حقا .. إنه لأعلم الناس.

ونوادر الأصمعي وغرائبه كثيرة. وكان ذا علم غزير، ومعرفة بالحديث والغريب.

روى عن سليمان التيمي، وعبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون، وغيرهما.

وروى عنه نصر بن علي الجهضمي وغيره.

ومصنفاته تزيد على ثلاثين كتابا، ومن مسنده عن عائشة رضي الله عنها: «إياكم ومحقرات الذنوب؛ فإن لها من الله طالبا» (١).

وبإسناده عن ابن عباس رضي الله عنهما في الكنز الذي ذكره الله تعالى في قصة الخضر:

(كان لوحا من ذهب مضروبا، مكتوبا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم، عجبا لمن يعرف الموت كيف يفرح؟ ! ولمن يعرف النار كيف يضحك؟ ! ولمن يعرف الدنيا وتقلبها بأهلها كيف يطمئن إليها؟ ! ولمن يؤمن بالقضاء والقدر كيف ينصب في طلب الرزق؟ ! ولمن يؤمن


(١) أخرجه ابن ماجه (٤٢٤٣)، والدارمي (٢٧٦٨)، وأحمد (٦/ ٧٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>