ومدحه أبو تمام بأحسن المدائح، وكذلك بكر بن النّطّاح، وفيه يقول: [من الكامل]
يا طالبا للكيمياء وعلمه ... مدح ابن عيسى الكيمياء الأعظم
لو لم يكن في الأرض إلا درهم ... ومدحته لأتاك ذاك الدرهم
يقال: أعطاه على ذلك عشرة آلاف درهم، فأغفله قليلا، ثم دخل عليه وقد اشترى بتلك الدراهم قرية في نهر الأبلّة، فأنشده: [من الطويل]
بك ابتعت في نهر الأبلّة قرية ... عليها قصير بالرخام مشيد
إلى جنبها أخت لها يعرضونها ... وعندك مال للهبات عتيد
فقال: وكم ثمن هذه الأخت؟ فقال: عشرة آلاف درهم، فدفعها له ثم قال له: تعلم أن نهر الأبلة عظيم، وفيه قرى كثيرة، وكل أخت إلى جانبها أخرى، وإن فتحت هذا الباب .. اتسع الخرق، فاقنع بهذه، فدعا له وانصرف.
وطعن أبو دلف فارسا في معركة، فنفذت الطعنة إلى أن وصلت إلى فارس آخر وراءه، فنفذ فيه السنان فقتلهما، فقال بكر بن النّطّاح في ذلك: [من الكامل]
قالوا وينظم فارسين بطعنة ... يوم الهياج ولا تراه كليلا
لا تعجبوا لو أن طول قناته ... ميل إذا نظم الفوارس ميلا
وكان أحمد بن أبي صالح مولى بني هاشم أسود مشوه الخلق، وكان فقيرا، فقالت له امرأته: يا هذا؛ إن الأدب أراه قد سقط نجمه، وطاش سهمه، فاعمد إلى سيفك ورمحك وقوسك، وادخل مع الناس في غزواتهم عسى الله أن ينفلك من الغنيمة شيئا، فأنشد: [من البسيط]
ما لي وما لك قد كلفتني شططا ... حمل السلاح وقول الدارعين قف
أمن رجال المنايا خلتني رجلا ... أمسي وأصبح مشتاقا إلى التلف
تمشي المنايا إلى غيري فأكرهها ... فكيف أمشي إليها بارز الكتف
ظننت أنّ نزال القرن من خلقي ... أو أن قلبي في جنبي أبي دلف
فبلغ خبره أبا دلف، فوجه إليه بألف دينار.
وكان أبو دلف لكثرة عطائه قد ركبه الدين، واشتهر ذلك عنه، فدخل عليه بعضهم وأنشده: [من الوافر]
أيا ربّ المنائح والعطايا ... ويا طلق المحيّا واليدين