للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لقد خبّرت أن عليك دينا ... فزد في رقم دينك واقض ديني

فوصله وقضى دينه.

ودخل عليه بعض الشعراء وأنشده: [من البسيط]

الله أجرى من الأرزاق أكثرها ... على يديك بعلم يا أبا دلف

ما خط لا كاتباه في صحيفته ... كما تخطط لا في سائر الصحف

بارى الرياح فأعطى وهي جارية ... حتى إذا وقفت أعطى ولم يقف

ومما يحكى من حسن ذكائه وسرعة جوابه أن المأمون قال: أنت الذي يقول فيك الشاعر: [من المديد]

إنما الدنيا أبو دلف ... بين بادية ومحتضره

فإذا ولى أبو دلف ... ولت الدنيا على أثره

فقال: لست كذلك يا أمير المؤمنين، ولكنني الذي يقول فيه علي بن جبلة: [من الطويل]

أبا دلف يا أكذب الناس كلّهم ... سواي فإني في مديحك أكذب

يحكى أنه أغمي عليه في مرض موته، فأفاق وقال: من بالباب؟ فقالوا: عشرة من خراسان يزعمون أنهم أشراف، فقال: أدخلوهم، فسألهم عن حاجتهم، فأخبروه بأنهم فقراء وعليهم دين فقصدوه لقضاء حوائجهم، فأعطى كل واحد منهم عشرة آلاف درهم-أو دينار، الشك مني-وأمر أن يكتب كل واحد منهم نسبه إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم، ثم يكتب في آخر ذلك: يا رسول الله؛ إنه لحقني فاقة، وركبني دين، فقصدت أبا دلف، فقضى ديني وحاجتي، ثم أمر بالأوراق أن تدفن معه بعد موته، وزود الأشراف بجميع ما يحتاجونه إلى بلدهم وقال: احفظوا هذه الدراهم لقضاء ديونكم، وسد فاقتكم، فدعوا له وانصرفوا، رحمه الله.

وحكي عن ابنه دلف أنه رآه بعد موته في المنام في دار وحشة وعرة، سوداء الحيطان، مقلعة السقوف والأبواب، مشوهة البنيان، وأن أباه أبا دلف في غرفة منها في حيطانها أثر النيران، وفي أرضها أثر الرماد، وهو عريان واضع رأسه بين ركبتيه كالحزين، ندمان، قال: فقال لي كالمستفهم: دلف؟ قلت: دلف، فأنشأ يقول: [من الخفيف]

أبلغن أهلها ولا تخف عنهم ... ما لقينا في البرزخ الخناق

<<  <  ج: ص:  >  >>