للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

استنكاري على علة انتظار المترددين المتلكئين الذين لا يدخلون في السلم كافة، ما الذي يقعد بهم عن الاستجابة ماذا ينتظرون وماذا يرتقبون؟ . تراهم سيظلون هكذا في موقفهم حتى يأتيهم الله سبحانه في ظلل من الغمام وتأتيهم الملائكة وبتعبير آخر هل ينتظرون ويتلكأون حتى يأتيهم اليوم الرعيب الموعود، الذي قال الله سبحانه أنه سيأتي فيه في ظلل من الغمام وتأتي الملائكة صفًّا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابًا؟ وفجأة وبينما نحن أمام السؤال الاستنكاري الذي يحمل طابع التهديد الرعيب، نجد أن اليوم قد جاء وأن كل شيء قد انتهى وأن القوم أمام المفاجأة التي كان يلوح لهم بها ويخوفهم إياها (وقضي الأمر) (١).

وقال عند قوله تعالى: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} فأما مجيء ربك والملائكة صفًّا صفًّا فهو أمر غيبي لا ندرك طبيعته ونحن في هذه الأرض ولكنا نحس وراء التعبير بالجلال والهول، كذلك المجيء بجهنم، يأخذ منه قربها منه وقرب المعذبين منها وكفى، فأما حقيقة ما يقع وكيفيته فهو من غيب الله المكنون ليومه المعلوم.

إنما يرتسم من وراء هذه الآيات ومن خلال موسيقاها الحادة التقسيم، الشديدة الأسر مشهد ترجف له القلوب، وتخشع له الأبصار، والأرض تدك دكًا! والجبار المتكبر يتجلى ويتولى الحكم والفصل، وتقف الملائكة صفًّا صفًّا (٢).

التعليق:

والذي يظهر أن سيد قطب يثبت صفة المجيء وإن كانت عبارته غير مفصحة تمامًا لكن سياقاته تدل على الإثبات.

تفسير الكرسي:

قال عند قوله تعالى: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ}.

وقد جاء التعبير في هذه الصورة الحسية في موضع التجريد المطلق على طريقة القرآن، التعبير التصويري لأن الصورة تمنح الحقيقة فالمراد تمثيلها للقلب قوة وعمقًا وثباتًا، فالكرسي يستخدم عادة في معنى ذلك، فإذا وسع كرسيه السموات والأرض فقد وسعهما سلطانه، وهذه هي الحقيقة من الناحية الذهنية ولكن الصورة التي ترسم في الحس من التعبير بالمحسوس أثبت وأمكن وكذلك التعبير بقوله {وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا} فهو كناية عن القدرة الكاملة ولكنه يجئ في هذه الصورة المحسوسة صورة انعدام الجهد والكلال لأن التعبير القرآني يتجه إلى رسم صور للمعاني تجسمها للحس فتكون فيه أوقع وأعمق وأحس.

ولا حاجة بنا إلى كل ما ثار من الجدل حول مثل هذه التعبيرات في القرآن إذا نحن فقهنا طريقة القرآن التعبيرية ولم نستعر من تلك الفلسفات الأجنبية الغربية التي أفسدت علينا كثيرًا من بساطة القرآن ووضوحها، ويحسن أن أضيف هنا أنني لم أعثر على أحاديث صحيحة في شأن الكرسي والعرش تفسر وتحدد المراد مما ورد


(١) تفسير سيد قطب (٢١٢/ ١).
(٢) نفس المصدر (٣٩٠٦/ ٦).