فلقائل أن يقول: كيف ساغ توثيق مبتدع وحق الثقة العدالة والإتقان فكيف يكون عدلًا من هو صاحب بدعة؟ وجوابه أن البدعة على ضربين فبدعة صغرى كغلو التشيع أو كالتشيع بلا غلو ولا تحريف فهذا كثير في التابعين وتابعيهم مع الدين والورع والصدق فلو ذهب حديث هؤلاء لذهب جملة من الآثار النبوية وهذه مفسدة بينة ثم بدعة كبرى كالرفض الكامل والغلو فيه والحط على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما والدعاء إلى ذلك فهذا النوع لا يحتج به ولا كرامة ولا أستحضر الآن رجلًا صادقًا ولا مأمونًا، بل الكذب شعارهم، والتقية والنفاق دثارهم، أما غلاة الشيعة في عرف السلف فهو في عثمان والزبير وطلحة ومعاوية وطائفة ممن حارب عليًّا رضي الله عنه أو تعرض لسبهم والغالي في زماننا وعرفنا هو الذي يكفر هؤلاء السادة ويتبرأ من الشيخين أيضًا وهذا ضال مغتر ولم يكن أبان بن تغلب ممن يتعرض للشيخين أصلًا بل قد يعتقد أن عليًّا أفضل منهما انتهى كلام الذهبي وهو من أشد الناس على الشيعة ومؤدى كلام غيره من المعتبرين نحوه فمن هذا لعلم أن الزيدية ليسو من الرافضة بل ولا من غلاة الشيعة في عرف المتأخرين ولا في عرف السلف فإنهم الآن مستقر مذهبهم الترضي على عثمان وطلحة والزبير وعائشة رضي الله عنهم فضلًا عن الشيخين وفليل منهم يتوفف كتوقف متفسقة الخوارج في علي - رضي الله عنه - لأنه رويت ثوبته بزعمهم الفاسد وإن كان بين الفريقين بون بعيد، فهذا مذهب الزيدية وها هم يفيضون من دائرة اليمن ويلتضون في كل مفصل في الحجاز سيما بين الحرمين الشريفين وبادية المدينة المشرفة حتى إن الأفراد من المذاهب الأربعة إذا مروا بهم في محالهم المعروفة يتقونهم ويتظهرون بالتشيع لا محاض البادية فيهم مع غلوهم في عدم الاعتداد بمن ليس بشيعي إنما الظهور والخفاء بحسب الدولة ولو أنصفت لعلمت أن بدعتهم دون باع غيرهم مما قد ذكرنا في هذه الأبحاث.
وها أنا نشأت فيهم وبرأني الله من بدعتهم هذه ونجاني منها كما نجاني من غيرها من بدع غيرهم مما عرفت حتى لقد رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يشكر في ذلك ويحذر من التهاون بحانب الصحابة رضي الله عنهم.
وقال عن المعتزلة (ص ٢٢٢): "وأما المعتزلة فهم فريقان وليسو كلهم يكفرون بالتأويل كما تراه في كتب الأشاعرة ولكن صار كل من الفرق يحكي الشر عن مخالفه ويكتم الخير بل يروي الكذب والبهت كما قدمناه وكما تذكر الأشاعرة أن المعتزلة تنكر عذاب القبر ترى ذلك فاشيًا بينهم حتى القشيري في التخيير شرح الأسماء الحسنى وكأنه استند في ذلك إلى الكشف. وأما النقل فباطل وهو شبيه قذف الغافلات فإن المعتزلة لا يكاد يظن قائلًا يقول هذا إلا شذوذًا مثل المريسي وضرار وهما بيت الغرائب مع أن ضرارًا ليس من المعتزلة في روايتهم لأنهم رووا عنه القول بالرواية بحاسة سادسة ورووا عنه القول بخلق الأفعال وإنه رجع عن الاعتزال بسبب شبهة أن يكون فعل العبد أشرف من فعل الله تعالى وعلى الجملة فليس شذوذ عن الفريقين بغريب وإنما المنكر إلزام المعتزلة قوله وإنما هذه