للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وكأني بالشاطبي لا يخالف إلا في بناء الربط والزوايا للانقطاع للعبادة، أما الانقطاع للعبادة في مسجد أو منزل فلا يخالف فيه، بدليل إقراره لما كان عليه سلف هذه الطائفة من الزهد والانقطاع للعبادة في غير الربط والزوايا، مع أن طريقتهم في ذاتها غير صحيحة كما سبق بيان ذلك غير مرة، ولو كانت ذاتها صحيحة لهان أمر الربط والزوايا التي تتخذ لها.

والحق أن نظام الصفة نظام دائم لا مؤقت، لأنه يقصد منه كفاية الفقراء الذي لا يجدون كسبًا، حتى لا يتعرضوا لسؤال الناس، وهذا نظام يجب أن يعمل به في كل زمان ومكان، ولا يصح أن يقال إن وظيفته انتهت بعد الفتوحات الإسلامية، بل هو باق ما بقي في الدنيا فقراء لا يجدون كسبًا، وللإسلام فضل السبق إلى إنشاء هذا النظام، وهو نظام الملاجئ الشائع بيننا الآن.

وثانيهما: مذهبه في علم الكلام، فقد ذهب في ذمه مذهب المتشددين من أهل السنة، كالإمام مالك، والإمام الشافعي، والإمام أحمد بن حنبل، وغيرهم من أئمة الحديث والفقه، وقد ذكر عن الحسن بن زياد اللؤلؤي أن رجلًا قال له في زُفر بن الهذيل: أكان ينظر في الكلام؟ فقال: سبحان الله ما أحمقك! ما أدركت مشيختنا زفر وأبا يوسف وأبا حنيفة ومن جالسنا وأخذنا عنهم همهم غير الفقه والاقتداء بمن تقدمهم.

والشاطبي في هذا كابن تيمية وابن القيم الجوزية، مجدد في ناحية الفقه وأصوله، وإن كان دونهما في ذلك، وجامد متشدد في العقائد، يرى أن الناجي فيها فرقة واحدة لا غير، وهي فرقة السلف من أهل السنة، وكانت تجري النصوص على ظواهرها، وتذم ما يسلكه غيرها من التأويل فيها، وكان مذهبهم هو الغالب على الناس في أول الأمر، فلما جاء الأشعري لم يتهيب من التأويل ما تهيبوه، ولكنه لم يسرف فيه كما أسرف المعتزلة قبله، وقد غلبت طريقته على جمهور المسلمين، ولم يبق إلا قليل يتمسك بما كان عليه سلف أهل السنة، وأكثرهم من أتباع الإمام أحمد بن حنبل، ولا حرج عندي عليهم في التمسك بمذهب ذلك السلف، ولنا مآخذ عليهم أنهم إلى وقتنا هذا لا يأخذون غيرهم بالتسامح، وهذا يدعو إلى أن يقابلوا بمثل هذا من مخالفيهم، وليس هذا في مصلحة الإسلام، لأنه يثير العداوة بين أبنائه، والواجب أن ينتصر كل فريق منا لمذهبه بالتي هي أحسن، لأن هذا هو الأصل الذي قامت عليه الدعوة الإسلامية، فلا يدعي المخالفون إليها بالحكمة والموعظة الحسنة، ولا شك أن هذا يكون فيما بين المختلفين من المسلمين من باب أولى، لأن الخلاف بينهم لا يصل إلى درجة الخلاف بينهم وبين غيرهم" أ. هـ.

• قلت: وقال الشيخ بكر أبو زيد في تقديمه لكتاب "الموافقات" (١): "ذلكم هو الإمام المجيد العلامة المصلح، الزاهد، الورع، المحتسب، الناصر للسنة القامع للبدعة".

وقال: "هو مؤلف غرناطة الإبداعي في كتبه:


(١) "الموافقات" للعلامة المحقق أبي إسحاق إبراهيم بن موسى الشاطبي، تقديم فضيلة الشيخ بكر أبو زيد، وبتحقيق "مشهور حسن آل سلمان" - ط الأولى لسنة (١٤١٧ هـ -١٩٩٧ م) - دار ابن عفان.