والإنعام والإفضال، الواحد الأحد الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوًا أحد، ليس بحسم مصور، ولا جوهر محدود مقدر، ولا يشبه شيئًا، ولا يشبهه شيء، ولا تحيط به الجهات، ولا تكتنفه الأرضون ولا السماوات كان قبل أن يكون المكان، ودبّر الزمان، وهو الآن على ما عليه كان، خلق الخلق وأعمالهم وقدّر أرزاقهم وآجالهم، فكل نعمة منه فهي فضل، وكل نقمة منه فهي عدل:{لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} استوى على العرش المجيد على الوجه الذي قاله، وبالمعنى الذي أراده، استواء منزهًا عن المماسة والاستقرار والتمكن والحلول، والانتقال فتعالى الله الكبير المتعال، عما يقول أهل الغي والضلال، بل لا يحمله العرش، بل العرش وحملته محمولون بلطف قدرته، مقهورون في قبضته، أحاط بكل شيء علمًا، وأحصى كل شيء عددًا، مطلع على هواجس الضمائر وحركات الخواطر، حي مريد، سميع بصير، عليم قدير، متكلم بكلام، قديم أزلي ليس محرف ولا صوت، ولا يتصور في كلامه أن ينقلب مدادًا في الألواح والأوراق، شكلًا ترمقه العيون والأحداق، كما زعم أهل الحشو والنفاق، بل الكتابة من أفعال العباد، ولا يتصور في أفعالهم أن تكون قديمة، ويجب احترامها لدلالتها على كلامه، كما يجب احترام أسمائه لدلالتها على ذاته، وحق لما دلّ عليه وانتسب إليه أن يعتقد عظمته وترعى حرمته، ولذلك يجب احترام الكعبة والأنبياء والعباد والصلحاء:
أمر على الديار ديار ليلى ... أقبل ذا الجدار وذا الجدارا
وما حبّ الديار شغفن قلبي ... ولكن حب من سكن الديارا
ولمثل ذلك يقبل الحجر الأسود، ويحرم على المحدِث أن يمس المصحف، أسطره وحواشيه التي لا كتابة فيها، وجلده وخريطته التي هو فيها، فويل لمن زعم أن كلام الله القديم شيء من ألفاظ العباد، أو رسم من أشكال المداد".
وقال في (١١٥):
"ومما تجدر الإشارة إليه أن الإمام العز لا يكفر المجسمة وإنما يفسقهم ويبدعهم، وقد سئل عن قول ابن، أبي زيد المالكي ( .. بأن الله على عرشه بذاته) هل هو اعتقاد بالجهة؟ فأجاب: بأنه اعتقاد بالجهة فلا يكفر من يقول بالجهة وكذلك سائر المبتدعة لأن العلماء لم يخرجوهم عن الإسلام بذلك، بل حكموا لهم بالإرث من المسلمين وبالدفن في مقابرهم وفي تحريم أموالهم ودمائهم وإيجاب الصلاة عليهم، ولا مبالاة بمن كفّرهم لمراغمته لما عليه الناس.
وذكر ابن التلمساني أن القائلين بالحلولية لا يكفرون، وادعى الإجماع على ذلك، وادعى أيضًا أن ظاهر نص الإمام العز يفيد ذلك، أي في عدم تكفير الحلولية.
ورد عليه ابن حجر بقول: لا يسلم له ذلك لأنه لا مطابقة بين الأمرين فما يستدل به على الحلولية لا ينطبق على مسألة الجهة.