٢ - إذا كان للرسول معجزة مادية متحدية فينبغي أن لا تكون معلقة في السماء، لأن العرب لم يتحدوه بمثل تلك المعجزة وإنما كان تحديهم له بمعجزة أرضية.
٣ - لو كان انشقاق القمر معجزة متحدية لحدد لهم تلك الليلة.
٤ - القمر آية من آيات الله فلا ينبغي أن يشق كما نفى - صلى الله عليه وسلم - خسوف الشمس لموت ولده إبراهيم.
٥ - كان الأولى أن يختار النبي - صلى الله عليه وسلم - أمرًا محسوسًا بين يديه ولا يختار انشقاق القمر وتمزقه قطعًا في السماء.
أما بالنسبة للأمر الأول فالمعجزة المادية لا تبقى قائمة على الزمن وإنما تكون في حياة صاحب الرسالة، وأما الأمر الثاني فالمعجزة السماوية أبلغ في التحدي من المعجزة الأرضية، أما بالنسبة للأمر الثالث فلو حدد لهم تلك الليلة لنسبوه إلى أن قد أعمل سحره في تلك الليلة، وأما بالنسبة للأمر الرابع فهذا قياس مع الفارق، وهو أمر غير مسلم له لأن هذه معجزة المقصود منها إثبات نبوته وإن كان القمر آية من آيات الله.
بالنسبة للأمر الخامس فيرد عليه بما يرد على الأمر الأول، وناحية أخرى أن المعجزة المادية إذا ثبتت نسلم بها وكذلك فإن الرسول - صلى الله عليه وسلم - ليس الذي هو يختار المعجزة، ولهذا فإن الخطيب يرى أن انشقاق القمر حدث من أحداث الساعة، وليس معجزة من المعجزات التي أجراها الله عز وجل على يدي النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم -.
قلت، ولكن الأحاديث الواردة في هذه المعجزة صحيحة ومستفيضة ولا يلتفت إلى قول الخطيب الذي يستعظم على قدرة بعض الآيات جاء في فتح الباري رواية ابن مسعود قال: "انشق القمر على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرقتين فرقة فوق الجبل وفرقة دون فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: اشهدوا.
وروى مثلها في بعض الروايات أن هذه المعجزة لم تكن مرئية لأهل مكة فقط وإنما رآها في تلك الليلة من كان في بعض الأسفار.
ومن جهة أخرى أن هذا هو رأي السلف والخلف، قال الواحد: وجماعة من المفسرين على هذا إلا ما روى عثمان بن عطاء عن أبيه أنه قال المعنى سينشق القمر والعلماء كلهم على خلافه.
ومن جهة ثالثة ولو نقل إلينا عمن لا يجوز تمالؤهم لكثرتهم على الكذب لما كانت علينا به حجة، إذ قد يحول دونه سحاب أو جبال كما هو في الكسوفات في بعض البلاد دون بعض.
كما أن معجزة الانشقاق ليلًا والعادة من الناس باليل الهدوء والسكون وإيجاف الأبواب وقطع التصرف ولا يكاد يعرف من أمور السماء شيء إلا من رصد ذلك واهتبل به، ولذلك ما يكون الكسوف القمري كثيرًا في البلاد وأكثرهم لا يعلم به حتى يخبر.
سادسًا: إنكار الدابة:
ينكر الخطيب في تفسيره ظهور الدابة الواردة في قوله تعالى: {وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ}.
كما ينكر أن تكون هذه الآية من أشراط الساعة وينكر على المفسرين أقوالهم المختلفة في شأن الدابة وأوصافها ويقول معقبًا على تلك الأقوال