شاء الله تعالى.
وأما الثاني، وهو عدم وجوبه بالعقل فسيأتي بيانه هادمًا لجميع ما بنوا عليه مذهبهم الفاسد من التحسين والتقبيح العقلي في جميع العقائد.
وأما جواب السؤال عن أبي من نفي الثاني ووجود المعرفة مترتب على الآخر، فلنقدم على ذكره بيان الطريق الموصلة إلى المعرفة. فبذلك يتصح إن شاء الله بيان الطريق إلى معرفة الصانع جلَّ وعلا.
اعلم أن الطريق إلى معرفته تبارك وتعالى هي النظر في مصنوعاته في الملكوت العليا والسفلى، وما اشتملت عليه من الإتقان والانتظام والحكم والإحكام؛ وغير ذلك مما يشهد بوجود الصانع وجلاله وعظمته وكماله تعالى في ذاته وصفاته.
قال قدوتنا وسيدنا الإمام حجة الإسلام أبو حامد الغزالي؛ - رضي الله عنه -: وأولى ما يستضاء به من الأنوار ويسلك من طريق الاعتبار ما أرشد إليه القرآن، فليس بعد بيان الله بيان. وقد قال الله تعالى: {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا (٦) وَالْجِبَال أَوْتَادًا (٧) وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا} إلى قوله تعالى: {أَلْفَافًا} [النبأ: ٦].
وقال تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ} إلى قوله تعالى: {لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [البقرة: ١٦٤].
وقال تعالى: {أَلَمْ تَرَوْا كَيفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا} إلى قوله تعالى: {وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا} [نوح: ١٥ - ١٨].
وقال تعالى: {أَفَرَأَيتُمْ مَا تُمْنُونَ} إلى قوله تعالى: {نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِلْمُقْوينَ} [الواقعة: ٥٨ - ٧٣].
قال: وليس يخفى على من معه أدنى مسكة إذا تأمل بأدنى فكرة مضمون هذه الآيات، وأدار نظره على عجائب خلق الله في الأرض والسموات، وتدبر فطرة الحيوان والنبات أن هذا الأمر العجيب والترتيب المحكم لا يستغني عن صانع يدبره، وفاعل يحكمه ويقدره، بل تكاد فطرة النفوس تشهد بكونها مقهورة تحت التسخير ومصرفة بمقتضى تدبير، لذلك قال الله تعالى: {أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [إبراهيم: ١٠] وقال تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [لقمان: ٢٥]، [الزمر: ٣٨] انتهى مختصرًا".
ثم قال في دفاعه عن الإمام الغزالي ص (٥١):
"ما أنكره بعض الناس على حجة الإمام أبي حامد الغزالي والرد عليهم:
قلت: وأما ما أنكره بعض النّاس على الإمام حجة الإسلام، - رضي الله عنه -، ونسبه إليه من الكفر، وزعمه أنه حصر القدرة في قوله - رضي الله عنه -: (ليس في الإمكان أبدع من هذا الوجود)، فقد أجبت عنه لما أرسل إليَّ بعض الفقهاء الطاعنين فيه يسأل عن الجواب في ذلك في معرض التعريض بالإنكار عليه، والإشعار بالكفر الذي نسبه إليه فذكرت في الجواب ما يقتضي الإنكار على المنكر عليه.
وقلت: التكفير على المكفر له بما نسبه إليه، وها أنا أشير إلى ما ذكرته بتقرير قدرته. وذلك أن كمال الصنعة يدلّ على كمال الصانع، والنقص على النقص. فيلزم على قول المنكر أن يكون