للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

القاعدة الثالثة:

إن ابن قتيبة يمسك عما لم يرد ذكره في كتاب الله ولا في سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - من إثباتٍ أو نفي يدل على هذه القاعدة عند قوله: (وإن سُئلنا نقتصر على جملة ما قال الله ونمسك عما لم يقل) (١). وقوله: (إن الواجب علينا أن ننتهي في صفات الله إلى حيث انتهى في صفاته أو حيث انتهى رسوله - صلى الله عليه وسلم - ولا نزيل اللفظ عما تعرفه العرب ونضعه عليه ونمسك عما سوى ذلك) (٢).

وهذه القاعدة السلفية التي سار عليها ابن قتيبة هي من أجل القواعد فإن النّاس لا يعلمون من الله إلا ما أعلمهم به فمن سوء الأدب مع الله أن يثبت شخص صفة أو إسمًا لم يذكرها الله لنفسه فكان لسان حال هذا الشخص يقول أنا أعلم بالله من الله أو ينفي عنه شيئًا لم ينفه عن نفسه كحال بعض المبتدعة الذين يتوسعون في النفي بعبارات مبتدعة لم يرد بها كتاب ولا سنة فيقولون ليس بحسم ولا جوهر ولا عرض ولا يحس ولا يُلمس ولا ولا .. إلى آخر هذيانهم.

القاعدة الرابعة:

إن ابن قتيبة لا يعتمد على المقايسات العقلية في إثبات ما يجب لله أو يمتنع عليه سبحانه بل يشنَّع على من يسلك هذا المنهج ويعتقد أن القياس العقلي في باب الاعتقادات سبب ضلال كثير من المتأخرين عن القرون المفضلة يدلُّ على هذا قوله: (وكنت أسمعهم يقولون إن الحق يدرك بالمقايسات والنظر ويلزم من لزمته الحجة أن ينقاد لها ثم رأيتهم في طول تناظرهم وإلزام بعضهم بعضًا الحجة في كل مجلس مرات لا يزولون عنها ولا ينتقلون ... وسأل آخر آخر عن العلم فقال له أتقول أن سميعًا في معنى عليم؟ قال نعم. قال لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير هل سمعه حين قالوه؟ قال نعم. قال فهل سمعه قبل أن يقولوه؟ قال لا قال فهل علمه قبل أن يقولوه؟ قال نعم قال له فأرى في سميع معنى غير معنى عليم فلم يجب قلت له لزمتك الحجة فلم لاتنتقل عما تعتقد إلى ما الزمتك الحجة فقال لو فعلت ذلك لا تنقاد في كل يوم مرات قلت فإذا كان الحق إنما يعرف بالقياس والحجة وكنت لانتقاد لهما بالإتباع كلما تنقاد بالانقطاع فما تصنع بهما التقليد أربح لك والمقام على أثر الرسول - صلى الله عليه وسلم - أولى بك).

ويقول ابن قتيبة رحمه الله في نقد أصحاب المنهج العقلي الذين لا يثبتون إلا ما اثبتته عقولهم بزعمهم: (فقد كان يجب مع ما يدعونه من معرفة القياس وإعداد آلات النظر أن لا يختلفوا كما لا يختلف الحساب والمساح والمهندسون لأن آلتهم لا تدل إلا على عدد واحد إلا على شكل واحد وكما لا يختلف حذاق الأطباء في الماء وفي نبض العروق لأن الأوائل قد وقفوهم من ذلك على أمر واحد. فما بالهم أكثر الناس اختلافًا لا يجتمع إثنان من رؤسائهم على أمر واحد في الدين، فأبو الهذيل


(١) اختلاف اللفظ (٢٣٦).
(٢) نفس المصدر (٢٤٣).