للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

العلاف (١) يخالف النظام والنجار يخالفهما (٢).

وهشام بن الحكم (٣) يخالفهم كذلك .. وليس منهم واحد إلا وله مذهب في الدين يدان برأيه وله عليه تبع ولو كان اختلافهم في الفروع والسنن لا تسع لهم العذر عندنا -وإن كان لا عذر لهم مع ما يدعونه لأنفسهم- كما اتسع لأهل الفقه ولكن اختلافهم في التوحيد وفي صفات الله تعالى وفي قدرته وفي نعيم أهل الجنة وعذاب أهل النار وعذاب البرزخ وفي اللوح وفي غير ذلك من الأمور التي لا يعلمها نبي إلا بوحي من الله تعالى ولن يعدم هذا من رد مثل هذه الأصول إلى استحسانه ونظره وما أوجبه القياس عنده لاختلاف النّاس في عقولهم وإرادتهم واختياراتهم فإنك لا تكاد ترى رجلين متفقين حتى يكون كل واحد منهما يختار ما يختاره الآخر ويرذل ما يرذله الآخر إلا من جهة التقليد والذي خالف بين مناظرهم وهيئاتهم وألوانهم ولغاتهم وأصواتهم وحظوظهم وآثارهم حتى فرق القائف بين الأثر والأثر وبين الأنثى والذكر هو الذي خالف بين آرائهم) (٤).

القاعدة الخامسة:

إن ابن قتيبة لا يعتمد على علم الكلام في فهم نصوص العقيدة ولا في الدفاع عنها ويرى أن هذا المنهج هو سبب الضلال في العقيدة يدل على هذا قوله: (فأما الكلام فليس من شأننا ولا أرى أكثر من هلك إلا به) (٥). وقوله وقد تدبرت مقالة أهل الكلام فوجدتهم يقولون على الله ما لا يعلمون ويفتنون النّاس بما يأتون ويبصرون القذى في عيون النّاس وعيونهم تطرف على الأجذاع ويتهمون غيرهم في النقل ولا يتهمون آراءهم في التأويل ومعاني الكتاب والحديث وما ادعاه من لطائف الحكمة وغرائب اللغة لا يدرك بالطفرة والتولد والعرض والجوهر والكيفية والكمية والأينية ولو ردوا المشكل منهما إلى أهل العلم بهما وضح لهم المنهج واتسع لهم المخرج ولكن يمنع من ذلك طلب الرئاسة وحب الأتباع واعتقاد الأخوان بالمقالات (٦). وابن قتيبة في نقده لأهل الكلام وبيانه لانحرافهم ليس مقلدًا لأحد بل عايشهم وحضر مجالسهم وبصر خطأهم عن كثب وعرف ما يدور في حلقاتهم مشاهدة وليس الخبر كالمعاينة يقول عن نفسه: (وقد كنت في


(١) هو أبو الهذيل محمّد بن الهذيل بن عبد الله البصري العلاف شيخ المعتزلة ومقدمهم ومقرر طريقتهم والمناظر عليها والذاب عنها أخذ الإعتزال عن عُثْمَان بن خالد الطويل عن واصل بن عطاء. توفي سنة ٢٢٦ وقيل ٢٣٥ هـ. انظر هامش الفرق بين الفرق (ص ١٢٢).
(٢) هو أبو عبد الله الحسين بن محمد بن عبد الله النجار كان حائطًا في طراز العباس بن محمّد الهاشمي وهو من متكلمي المجبرة وله مع النظام مناظرات وزعم أن الإيمان يزيد ولا ينقص.
توفي سنة ٢٣٠ هـ تقريبًا. انظر الفرق بين الفرق (ص ٢٠٨)، الملل والنحل (ص ٨٨).
(٣) هشام بن الحكم أبو محمّد مولى بني شيبان كوفي تحول إلى بغداد وهو من أصحاب أبي عبد الله جعفر بن محمّد وهو من متكلمي الشيعة ممن فتق الكلام في الإمامة وهذب المذهب وكان منقطعًا إلى يحيى بن خالد البرمكي وكان القيم بمجالس كلامه ونظره. توفي بعد نكبة البرامكة بمدة مستترًا وله كتب عديدة. انظر عنه الفهرست لابن النديم (ص ٢٥٠).
(٤) تأويل مختلف الحديث (١٤).
(٥) اختلاف اللفظ (٢٢٥).
(٦) تأويل مختلف الحديث (١٢، ١٤).