الله ليس بجسم ويحتج لذلك بأن الله لم يسم نفسه به ولا اتفق المسلمون عليه، ويعلل منع إطلاقه بان حقيقة الجسم أن يكون طويلًا عريضًا عميقًا وهذا يخالف وصف الله بأنه واحد.
٣ - أما مذهب أبي الحسن الطبري في الصفات فقد فصله في كتابه، ويمكن تلخيص ذلك فيما يلي:
أ - بالنسبة للصفات الخبرية فهو يثبتها مع نفي أي دلالة فيها على التجسيم أو التبعيض - على حد زعمه - فمثلًا حين يتكلم على صفة اليدين وقوله تعالى:{مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ}[ص: ٧٥] يذكر الوجوه الواردة في معنى اليد، كالقوة، والنعمة، والجارحة، وبمعنى النفس والذات، ومنها يد صفة لا تحتمل معنى من المعاني السابقة، وبعد أن يبطل هذه الأقوال تفسيرًا للآية يقول:"فإذا بطلت هذه الوجوه بأسرها لم يرجع تفسيرها إلى غير إطلاق اللفظ فيها كما جاء عن الله سبحانه من غير تفسيرنا ذلك بالفارسية الموهمة للخطأ، فإن قيل: كيف يستقيم لك أن تقسم اليد على أوجه ثم تخرج اليد التي تثبتها للقديم من جملتها من غير أن ترجع في العبارة عنها إلى الفارسية وغيرها من اللغات ولا تزيد على قولك من أنها يد صفة وهي غير معقولة فيما بيننا؟ قيل له: إن ذلك التقسيم الذي قسمنا إنما فعلنا فيما شاهدناه، ونحن لم نرتب الباب بيننا وبين خصومنا، لا لنثبت ما شاهدناه، وعقلناه معاينة حتى يكون قولك هذا قادحًا في جملة ما أوردناه في هذا الباب؛ لأنا قد نثبت فاعلًا في الغائب قديمًا ليس بجسم ولا عرض ولا جوهر وإن كنا في الشاهد لا نعقل موجودًا إلا جسمًا أو جوهرًا أو عرضًا، فإن صح ذلك كله مع خروجه عن حكم الشاهد صح لغيرك إثبات اليد للقديم من غير رجوع في تفسيرها إلى أكثر من إطلاق اللفظ بها كما جاء في القرآن"، والخلاصة أنه يثبت اليدين مع التفويض الكامل لها، ولذلك لم يثبت القبضة الواردة في قوله تعالى:{وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}[الزمر: ٦٧] بل أولها بقوله عن معنى الآية: "أي والأرض جميعًا ذاهبة فانية يوم القيامة بقدرته على إفنائها"، وكذلك يقول في قوله تعالى:{وَالسَّمَاوَاتُ مَطْويَّاتٌ بيَمِينِهِ}[الزمر: ٦٧] إن الطي أريد به الفناء والذهاب، ويذكر أدلة ذلك من الشعر ثم يقول:"ومن النّاس من يقول: مطويات بيمينه أي ذاهبات بقسمه لأنه أقسم ليفنيها".
ويقول: إن الله راء بلاعين، ويرد على أدلة من يسميهم بالمشبهة الذين أثبتوا لله عينا ويتأول النصوص الواردة في ذلك من الكتاب والسنة، كما يتأول "القدم" ويذكر له عدة تأويلات ولا يثبت هذه الصفة كما يليق بالله تعالى.
ب - يثبت أَبو الحسن الطبري صفة الاستواء والعلو لله تعالى، يقول: "اعلم عصمنا الله وإياك من الزيغ برحمته أن الله سبحانه في السماء فوق كل شيء، مستو على عرشه بمعنى أنه عال عليه، وبمعنى الإستواء الاعتلاء، كما يقول: استويت على ظهر الدابة، واستويت على السطح يعني علوته، واستوت الشمس على رأسي واستوى الطير على قمة رأسي بمعنى علا في الجو فوجد فوق رأسي، والقديم جل جلاله عال على عرشه لا قاعد ولا قايم ولا مماس له ولا مباين،