أهل السنة وتفسير المعتزلة، غير متعرض لبيان ما هو الحق منها وأقول ولعله قصده إيراد كل ما قيل من حق أو باطل ولهذا يورد من أقوال المشبهة أشياء مثل هذا الإيراد حتى وجدته يختار في بعض المواضع قول المعتزلة وما بنوه على أصولهم الفاسدة.
ومن ذلك مصيره في الأعراف إلا أن الله لا يشاء عبادة الأوثان وقال في قوله تعالى:{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ} وجهان في جعلنا أحدهما معناه حكمنا بأنهما أعداء والثاني تركناهم على العداوة فلم نمنعهم منها، وتفسيره عظيم الضرر لكونه مشحونًا بتأويلات أهل الباطل، تلبيسًا وتدليسًا، على وجه لا يفطن له غير أهل العلم، والتحقيق مع أنه تأليف رجل لا يتظاهر بالإنتساب إلى المعتزلة بل يجتهد في كتمان موافقتهم فيما لهم فيه موافق.
ثم هو ليس معتزليًا مطلقًا، فإنه لا يوافقهم في جميع أصولهم، مثل خلق القرآن كما دل عليه تفسيره في قوله عَزَّ وَجَلَّ: حدث {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ} وغير ذلك ووافقهم في القدر وهي التي غلبت على البصريين وعيبوا بها.
هذا ما اتهم به ابن الصلاح وتبعه من بعده من اتهم الماوردي بالاعتزال، والرد على ابن الصلاح في هذه القضية من عدة وجوه:
١ - إننا لا يمكن أن نفصل الماوردي عن العصر الذي عاش فيه، عاش في العصر العباسي الثاني، وقد تطور مذهب المعتزلة وانتشر تحت تأثير فلسفة أرسطو، وكان من تعاليمهم: أن إدراك وسائل الخلاص وطرق النجاة إنما ترجع إلى سلطان العقل، وتعتبر طائفة المعتزلة من العقليين في الإسلام الذين يقولون بسلطان العقل وفهمه بطبائع الأشياء، وعصر الماوردي انجب فلاسفة الإسلام العقليين أمثال: أَبو نصر الفارابي المتوفى (عام ٣٣٩ هـ)، والرئيس ابن سينا (٤٢٨ هـ)، واستمر مذهب الإعتزال في أوج قوته حتى صرعهم حجة الإسلام الغزالي.
٢ - ووردت بعض الإشارات في كتب الماوردي تشير إلى مدى اهتمامه بالعقل وعنايته به مما جعل بعض المترجمين له يتهمونه بالإعتزال بناء على اهتمامه بهذه القضية ومن ذلك قوله في كتاب "أدب الدين والدنيا" أعلم أن لكل فضيلة اسًا، ولكل أديب ينبوعًا، وأسس الفضائل وينبوع الأداب هو العقل الذي جعله الله تعالى للدين أصلًا وللدنيا عمادًا، فأوجب الدين لكماله وجعل الدُّنيا مدبرة بأحكامه وألف به بين خلقه مع اختلاف هممهم ومآربهم وتباين أغراضهم ومقاصدهم، وجعل ما تعبدهم به قسمين، قسمًا وجب بالعقل فوكده الشرع، وقسمًا جاز في العقل فأوجبه الشرع فكان لها عمادًا.
٣ - موافقة الماوردي المعتزلة في بعض المواطن من التفسير كما ذكر ابن الصلاح أنه ذكر الوجهيين في آية الأنعام بما يوافق رأى المعتزلة، وبأنه يقول بالقدر شانه شأن البصريين، حيث أنكر عليهم ذلك غير أننا نجد ابن الصلاح نفسه يقول: "هو ليس معتزليًا مطلقًا فإنه لا يوافقهم في جميع أصولهم، مثل خلق القرآن على ما يدل عليه تفسيره في قوله عَزَّ وَجَلَّ:{مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ} ثم جاء النووي المتوفى (سنة ٦٧٦ هـ) والذي هذب طبقات ابن الصلاح فقال