ومما يوافق فيه الماوردي أهل السنة ويخالف المعتزلة له خلق الجنة وقال أنها مخلوقة كما قال أهل السنة قال في سورة الأعراف:"الجنة التي أمر آدم - عليه السلام - بسكناها جنة الخلد، ومن الأمور التي يخالف فيها المعتزلة قوله أن القرآن لا ينسخ فقد حكى فيه ثلاثة أوجه في حين أن المعتزلة لا يقولون بذلك ومنها قوله: أن ما من حكم شرعي إلا وهو قابل للنسخ ولهذا قال الحافظ ابن حجر العسقلاني، (ولا ينبغي أن يطلق عليه اسم الإعتزال).
٤ - لقد وثق الماوردي تلاميذه الذين عاصروه وعاشوا معه، ومنهم الخطيب البغدادي، المؤرخ المشهور، والذي تتلمذ على يد الماوردي وحضر وفاته وصلى عليه مع من صلى وقال في وصفه لأستاذ "كان من وجهاء الفقهاء والشافعيين" ولم ينقل أحد ممن عاصره أنه كان معتزليًا أو يميل إلى الاعتزال.
٥ - نستنتج مما تقدم أن هذا الإتهام باطل مرجعه اجتهاد الماوردي، وهو اجتهاد يقوم على أساس تحكيم العقل، فالتشابه بين الماوردي والمعتزلة مرجعه أن كلا من الطرفين قرر سلطان العقل، في بحث مسائل آراء المعتزلة وهذا أمر طبيعي في عصر عاش فيه الماوردي، وبلغت حركة الاعتزال وسلطان تحكيم العقل أوج عظمتها وهذا لا يعيب من الماوردي أو ينقص من قدره" أ. هـ. قول عبد القادر الكفراوي.
والآن ننقل قول الدكتور عدنان زرزور في كتابه "الحاكم الجشمي ومنهجه في تفسير القرآن" وتحت عنوان: تفاسير المعتزلة قبل الحاكم (ص ١٤٣): "تفسير الماوردي: أبي الحسن على بن محمّد بن حبيب المتوفى سنة (٤٥٥)، وقد أسماه (النكت والعيون) وقال في مقدمته: ( ... ولما كان الظاهر الجلي مفهومًا بالتلاوة، وكان الغامض الخفي لا يعلم إلا من وجهين، نقل أو اجتهاد جعلت كتابي هذا مقصورًا على تأويل ما خفى علمه، وتفسير ما غمض تصوره وفهمه، جامعًا بين أقاويل السلف والخلف، وموضحًا عن المؤتلف والمختلف، وذاكرًا ما سنح به الخاطر من معنى محتمل، وعدلت عما ظهر معناه من فحواه اكتفاء بفهم قارئه وتصور تاليه، ليكون أقرب مأخذًا وأظهر مطلبًا .. وهذا ما حمله فيما يبدو على تسميته (بالنكت والعيون)، ليدل على أنه أقرب إلى تفسير المشكل والمتشابه، وأنه جمع فيه عيون أتأويل السلف والخلف، وإن كان هذا لم يمنعه في الواقع من الشرح والتعليق السريع على سائر آيات الكتاب الكريم تقريبًا.
والناظر في هذا التفسير قد لا يقف فيه سريعًا على أثر واضح لمذهب المصنف الذي كان لا يجاهر بالاعتزال فيما يبدو، ولكنه كان ينتصر فيه لمذهب المعتزلة على التحقيق، مرة بالإشارة العابرة، وأخرى بوضع القاريء أمام وجوه كثيرة في تفسير الآية الواحدة، يوردها موجزة ملخصة وليس من بينها ما يناقض مذهب المعتزلة بحال، قال في قوله تعالى:{هُدًى لِلْمُتَّقِينَ}[البقرة: ٢]: (وفي المتقين ثلاثة تأويلات: أحدها: الذين اتقوا ما حرم الله عليهم وأدوا ما افترض عليهم، وهذا قول الحسن البصري. والثاني: أنهم الذين يحذرون من الله العقوبة ويرجون رحمته، وهذا قول ابن عباس. والثالث: أنهم الذين اتقوا