للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

الصحراوي نزيل مراكش في كتابه (المجد الطارف والتالد): مقام عياض مثل مقام البخاري والأئمة الأربعة، فهم في حملة الشريعة وعلومهم التي يبثونها في صدور الرجال بالتلقن والتأليف. ذبوا عن الشريعة بسيوف علومهم فبقيت علومهم خالدة تالدة إلى الأبد، وكم من ولي لله كان معهم وبعدهم بكثير، كان لهم تلاميذ وأوراد وانقطعت تلك الأوراد وباد المريدون بمرور الأزمان، وأئمة العلم لا زالوا بعلومهم كانهم أحياء، وكل من استفاد مسألة علمية فهم أشياخه إلى يوم القيامة .. ".

ثم قال: "وانظروا إلى عياض، فلا تأليف معتبرًا من تواليف أهل الحديث ولا أصحاب السير والفقهاء إلا وجدته مشحونًا بكلامه ... ولا يضر منصبه كون صاحب التشوف لم يذكره في رجال التصوف مع أنه أقدم وفاة من جميع من ذكر فيه، ووجه العذر أنه التزم فيه ذكر الزهاد دون العباد، أي الذين انقطعوا لذلك. وقال ابن صعد في (النجم الثاقب): كان عمدة أولياء الله في البلاد المغربية، وممن أجمع على فضله وعلمه علماء الفقه وأكابر الصوفية".

قلت: وذكره محقق كتاب "الغنية" للقاضي عياض في المقدمة، قائلًا: (فقد عد ابن الخطيب القاضي عياضًا "إمامًا مجتهدًا" وهذا أمر لا يتم إلا بسعة الدراية والدرس، وكثرة السماع والفطنة وإتقان جمهرة من العلرم النقلية والعقلية. وبإلقاء نظرة على روايته وسماعاته -من خلال الغنية- تتجلى لنا اهتماماته المختلفة، فقد عني أولًا بعلوم التنزيل العزيز وبالحديث وروى عددًا كبيرًا من الكتب على كبار أئمة هذا الشأن، وبرع فيها فبلغ شأوا لم يبلغه سابقوه، واهتم بكتب غريب القرآن والحديث والقراءات فبرع فيها جميعًا وألف تواليف حسانًا بذت ما سبقها بدقة ضبطها وصحة أسانيدها ومناقشته لمتونها مناقشة إن دلت على شيء فإنما تدل على فطنته وعمق غوصه على المعاني والترابطات المنطقية وعلمه بدقائق اللغة العربية ومفرداتها وتراكيبها ويظهر هذا مما حمله من كتب علماء اللغة في الأندلس وما رواه عن حملة شيوخ المشرق من كتب غريب اللغة وشاذها وروايته للشعر العربي القديم.

ويبدو أن عياضًا اهتم بعلم الكلام، وأرجح أنه كان أشعري الهوى إذ تتلمذ على ابن العربي الفقيه (١) وأدي الحَجّاج الضرير (٢) وغيرهما.

وقد استوقفني المنحى الزهدي عند القاضي عياض إذ برز بشكل واضح من خلال الأشعار والروايات والأخبار عن الزهاد، والزهد عند عياض لا يخرج عن مفهوم أهل السنة ونظرتهم، وقد عرف كبار الصحابة والتابعين بزهدهم اقتداءً برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ونقول القاضي عياض لا يخرج عن هذا الإطار.

إلا أن ابن خلكان ذكر أنه كانت بين القاضي


(١) وقد "أتقن ابن العربي مسائل الخلاف والأصول والكلام على أئمة هذا الآن وغيرهم، الغنية ترجمة رقم ١٠، كما أنه أخذ عن كبار الأشاعرة وعلماء الشافعية والتقى الغزالي وأخذ عنه. وانظر درامة الدكتور إحسان عباس عن رحلة ابن العربي (مجلة الأبحاث، كانون الأول ١٩٦٨): ٦٢، ٦٨ - ٧٠.
(٢) قال عنه القاضي عياض (الغنية رقم ٩٧): كان من المشتغلين بعلم الكلام على مذهب الأشعرية ونظار أهل السنة.