استقرار الجبل، حيث يقول {وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا} [الأعراف: ١٤٣].
٣. قوله تعالى: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (١٠٣)} [الأنعام: ١٠٣].
٤. إن الرؤية تقتضي أن يكون المزني مقابلًا للرائي، فيكون في جهة وحيز، والله منزه عن ذلك.
وأما قوله تعالى: {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} ونحوها، لاخبار الرسول برؤية الله، فليس على ظاهره، وإنما المعنى تنتظر الثواب والرحمة، أو ترون رحمة ربكم.
ولكن فريقًا آخر من العلماء -وعلى رأسهم أهل السنة والأشاعرة والماتريدية .. يرى أن رؤية الله عَزَّ وَجَلَّ جائزة عقلا دنيا وأخرى؛ لأنه سبحانه موجود، وكل موجود تمكن رؤيته، ولكن لم تقع في الدنيا لغير نبينا محمّد - صلى الله عليه وسلم -، وستكون في الآخرة للمؤمنين وقد دل على ذلك الكتاب والسنة وإجماع الصحابة.
أما الكتاب، فقوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (٢٢) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: ٢٢، ٢٣] وقوله: {عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ (٢٣)} [المطففين: ٢٣] وقوله: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس: ٢٦] فجمهور المفسرين على أن الحسنى هي الجنة، والزيادة هي رؤية الله تعالى، ولو لم يره المؤمنون لما عُير الكافرون بالحجاب، حيث يقول سبحانه {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (١٥)} [المطففين: ١٥].
وأما السنة، فمنها ما رواه الإِمام أحمد ومسلم عن صهيب - رضي الله عنه -، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تلا هذه الآية {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا} وقال: "إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار، نادى مناد: يا أهل الجنة إن لكم عند الله موعدا، يريد أن ينجزكموه، فيقولون: ما هو؟ ألم يثقل موازيننا؟ ألم يبيض وجوهنا ويدخلنا الجنة ويزحزحنا عن النار؟ قال: فيكشف لهم الحجاب، فينظرون إليه، فوالله ما أعطاهم الله شيئًا أحب إليهم من النظر إليه، ولا أقر لأعينهم".
وما رواه مسلم أيضًا: حدثني زهير بن حرب حدثنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا أبي عن ابن شهاب عن عطاء بن يزيد الليثي أن أبا هريرة أخبره أن ناسًا قالوا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يا رسول الله، هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: هل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر؟ قالوا: لا يا رسول الله، قال: هل تضارون في الشمس ليس دونها سحاب؟ قالوا: لا يا رسول الله، قال: فإنكم ترونه كذلك ...
وأما الإجماع، فإن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا مجمعين على وقوع الرؤية في الآخرة.
وقال الإمام مالك - رضي الله عنه -: لما حجب أعداءه فلم يروه، تجلى لأوليائه حتى رأوه، وقال الشافعي - رضي الله عنه -: لما حجب قومًا بالسخط، دل على أن قومًا يرونه بالرضا.
ويردون على المعتزلة بقولهم:
إن سؤال موسى - عليه السلام - لأقوى دليل على جواز الرؤية، فهو من أعلم الناس بما يجوز في حق ربه وما لا يجوز، ولو كانت الرؤية غير