قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من قال في القرآن برأيه فأصاب، فقد أخطأ" قال الترمذي: هذا حديث غريب، وقد تكلم بعض أهل الحديث في سهيل بن أبي حزم".
مطابقة منهج مجاهد للتفسير بالرأي:
فإذا نحن طبقنا ذلك على ما جاء عن مجاهد من قول بالرأي في تفسير في بعض الآيات، وجدناه بعيدًا كل البعد عن المحرم، فمجاهد كان من أعلم الناس بقواعد اللغة، وبمعرفة الناسخ والمنسوخ، ومعرفة أسباب النزول، كما كان من أحفظهم عن الصحابة -رضوان الله عليهم- كما ذكر من قبل ولم يغلب عليه الهوى ليعضد رأيًا له، وإن الذي حدث منه كان بعد أن أتقن قواعد اللغة وأصول التفسير، فحق له أن يتوسع في الاستنباط بعد توسعه في الفهم وقد قال ابن تيمية -مدافعًا-: وأما الذي روي عن مجاهد وقتادة وغيرهما من أهل العلم، أنهم فسروا القرآن، فليس الظن بهم أنهم قالوا في القرآن أو فسروه بغير علم أو من قبل أنفسهم، وقد روى عنهم ما يدل على ما قلنا: إنهم لم يقولوا من قبل أنفسهم بغير علم.
وجاء في (التفسير والمفسرون) ما يؤكد ذلك، حيث روي عن ابن مجاهد أنه قال: قال رجل لأبي: أنت الذي يفسر القرآن برأيك؟ فبكى أبي ثم قال: إني إذا لجريء، لقد حملت التفسير عن بضعة عشر رجلًا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -.
ندرة ما روي عن مجاهد من تفسير بالرأي:
الحق أن ما جاء في تفسيره من هذا شيء قليل لا يجعل الحق مع من تحاموا تفسيره لأنه يقول بالرأي.
ومن ذلك ما يتعلق برؤية الله، ففي هامش ص (٦٨٧) في تفسير قوله تعالى: {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: ٢٣] قال: تنتظر الثواب من ربها, لا يراه من خلقه شيء.
ومما لا شك فيه أن هذا الرأي كان مُتكأ للمعتزلة فيما ذهبوا إليه من معارضة في رؤية الله. وقد جاء في مذاهب التفسير الإِسلامي عند الكلام عن رؤية الله تعالى ومعارضة المعتزلة في ذلك؛ ونحن نقوم على أرض أمتن وأثبت إذا علمنا من أسانيد كثيرة من رؤية السعداء لله أن واحدًا من ثقات الرواة، هو مجاهد المكي، من أوثق تلاميذ ابن عباس، ويعترف الثقات القدماء بأن تقسيره أصح وجوه التفسير، قد استبعد التفسير بالمألوف لتعبير الآية.
ومنه أيضًا، ما روي عنه من أن المائدة لم تنزل، وإنما هو مثل، انظر ص (٣١٨) من التفسير.
ومنه كذلك، ما يتعلق بمسخ اليهود قردة، فقد جاء في ص (٢٠٥) عند تفسير قوله تعالى: {كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} [البقرة: ٦٥] قال لم يمسخوا قردة، ولكنه كقوله تعالى: {كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا} [الجمعة: ٥].
وفي ط: مسخت قلوبهم ولم يمسخوا قردة. وقد ذكر في آية المائدة نقيض ذلك، حيث قال في قوله تعالى: {وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ} [المائدة: ٦٠] , القردة والخنازير مسخت من يهود.
وعلى ذلك، فليس مجاهد من المفسرين بالرأي، لأن ثلاث روايات لا تنقله من زمرة المفسرين بالتلقي والرواية إلى زمرة المفسرين بالرأي، وإن