فقد عانى تلك المعاناة الشديدة، وما أدراك ما تلك المعاناة الشديدة، في البحث عن الأساليب اليونانية المقيتة.
٤ - لما بلغ درجة الاجتهاد، أعلن رجوعه إلى الصواب، فحسده أهل عصره، وعلى رأسهم أحد شيوخه في التفسير وأصول الفقه، فجرت بينهم خصومات، وقلاقل، ومعارك جدلية، كان النصر فيها حليفه، لنصره سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذبه عنها وعن حملتها، وأئمة الإسلام والمسلمين، لأنه استخدم سلاحهم العقلي في الميدان الجدلي، الذي يعتبر التبريز فيه -عندهم- مئنة الذكاء والنجابة، فقهرهم بالحجج السمعية التي يعتبر الاقتصار في البحث عنها -في نظرهم- علامة البله والبلادة.
٥ - إن ابن الوزير اشتغل بالذب عن السنة النبوية، تدريسًا، وتصنيفًا، ومناظرة، ومناضلة لأهل البدع، واستطاع أن ينشر علم الحديث، وسائر العلوم الشرعية، في أرض لم يألف أهلها ذلك لا سيما في عصره، صرح بذلك الإمام الشوكاني (١٢٥٠ هـ) وأن مدرسة ابن الوزير، لا زالت تشع بأنوار السنة النبوية الصحيحة، منذ عصره إلى عصر الشوكاني مرورًا بالمقبلي (١١٠٨ هـ) والصنعاني (١١٨٢ هـ).
٦ - كانت نتيجة الصراعات المذهبية الدينية عداوة وبغضاء، وتفسيقًا وتكفيرًا، نتج عنه الصراع المسلح، الذي كانت نتيجته الخراب والدمار، والنهب والقتل بين صفوت الدويلات، التي جرّت الويلات، على أبناء اليمن، منذ تأسيس المذهب الزيدي ودولته، على أيدي الإمامين القاسم بن إبراهيم الرسي (٢٤٤ هـ) وحفيده الهادي يحيى بن الحسين القاسم (٢٨٩ هـ) العلويين.
صراع مسلح مستمر، بين أئمة الزيدية في (صعدة) و (صنعاء) وبين سلاطين اليمن السافل، بسواحله وجنوبه من جهة، والباطنية -ملأ الله بيوتهم وقبورهم نارًا- من جهة أخرى، وكان الحرب سجالًا، وأحيانًا يتصاعد، حتى يكون بين أصحاب المذهب الواحد والأسرة الواحدة كما حصل بين الإمامين المهدي (٨٤٠ هـ) والمنصور (٨٤٠ هـ) على عرش (صنعاء) في عهد ابن الوزير (٨٤٠ هـ) وقد يكون الصراع بين الآباء والأبناء على عرش (صنعاء) كما حصل بين الإمام شرف الدين يحيى بن شمس الدين (٩٦٥ هـ) وابنه المطهر (٩٨٠ هـ) الصراع نفسه على عرش (صنعاء).
وكان لسان حال بعض الأئمة يقول، على لسان أحد شعراء اليمن:
ولأضربن قبيلة بقبيلة ... ولأملأن بيوتهن نياحًا
٧ - إن مميزات ابن الوزير الفكرية لتبهَر لب من يطلع عليها في كتابه (العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم) -الذي صنفه في رؤوس الجبال العوالي وبطون الأودية الخوالي- لكثرة ما يسرده في المسألة الواحدة من الإشكالات المحيرة، والتنبيهات اللاذعة والبراهين المقنعة، العقلية منها والنقلية، بحيث إن الباحث فيه عن مسألة ما لا يحتاج إلى النظر في غيره -غالبًا- وأن كلامه من نمط كلام ابن حزم وابن