وقد يأتي في كثير من المباحث بفوائد لم يأت بها غيره، ومصنفاته شاهد عدل على ذلك وتوكيد لذلك ثناء العلماء المشار إليه في موضعه.
٨ - توفي -رحمه الله- في العزلة الأخيرة التي صنف فيها (إيثار الحق على الخلق) الذي صانه عن الأساليب الجدلية، إذا ألقى الأسلوب الجدلي، واستخدم أسلوب العاطفة الدينية، والغيرة الإسلامية لما رآه من الاختلاف المؤدي إلى التباعد والتقاطع، والتفسيق، والتكفير، بين طوائف المسلمين والمحاولة إلى رد الخلافات إلى المذهب الحق، والدعوة إلى الائتلاف والتآخي بين طوائف المسلمين.
٩ - إن ما قرره ابن الوزير، وذهب إليه من التوقف، وعدم التكفير للمتأولين المخطئين من أهل القبلة، هو الصواب للوجوه التي ذكرها ابن الوزير، وللوجوه التي أضفتها إليها وأكدتها بها في أواخر الفصل الأول من الباب الثاني منها:
أ- إن ذلك يتمشى مع القواعد العامة، لأهل السنة والجماعة من عدم التكفير لأحد من المصلين، بذنب، ما لم يستحله ولأنه الأحوط، لما يترتب على التكفير من الخطر العظيم، والوعيد الشديد، وما يترتب على ذلك من العداوة والتقاطع، فهل الشرارة الأولى للصراع الدموي، في الماضي والحاضر بين طوائف المسلمين غير الصراع العقدي؟ ! وهل هناك شيء من هذا النمط بين المسلمين وأعدائهم الحقيقيين؟ ! أم طوائف المسلمين قلبوا الجن لإخوانهم المسلمين أم هؤلاء تستروا باسم الإسلام ليكيدوا له كيدًا بتدمير المسلمين الحقيقيين؟ ! آهٍ آهٍ واحسرتاه ...
ب- إن الله -عزَّ وجلَّ- قد صنف الأمة المحمدية من فوق سبع سموات- ثلاثة أصناف، وميزهم واصطفاهم من عباده، لوراثة كتابه بقوله:{ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَينَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيرَاتِ} فالظالم لنفسه بترك بعض الواجبات، وفعل بعض المحرمات، من هذه الأمة، وقد سبق التدليل والتعليل وافيًا شافيًا ولله الحمد والمنة.
١٠ - من كذب بشيء من الكتاب أو السنة الصحيحة، أو كذب أحدًا من الرسل، أو جحد أمرًا معلومًا من الدين بالضرورة ولو تستر باسم التأويل -كائنًا من كان- كتأويل الباطنية الملحدة، الذين أنكروا البعث والجزاء، وتأوّلوا الرب جل جلاله، وأسماءه بإمام الزمان، وحرفوا نصوص القرآن، وأباحوا المحرمات، فهذا التكفير لا غبار عليه عند ابن الوزير وغيره من علماء الإسلام والمسلمين أجمعين.
ويستثنى من جحد أمرًا معلومًا من الدين بالضرورة من لم يبلغه الخطاب كمن هو حديث عهد بالإسلام، أو نشأ ببادية بعيدة لم تبلغه الدعوة فهذا لا يحكم بكفره كما قرره شيخ الإسلام ابن تيمية- للتعليلات السابقة في موضعها.
وأما تكفير شخص معين من أهل القبلة، فهذا أشد خطرًا، لعدم توافر الشروط، ووجود المانع.
١١ - إطلاق القول بتكفير من يقول كذا وكذا، فهو كذا مأثور عن بعض السلف كنفي الصفات،