والتكذيب بأن الله -عزَّ وجلَّ- يرى في الآخرة، أو أنه على العرش، أو أن القرآن كلام الله -عز وجل- أو أن الله كلم موسى تكليمًا، أو اتخذ إبراهيم خليلًا، كل ذلك كفر، إذا صدر من مكلف عاقل مختار عامد، بلغته شرائع الإسلام، وأصرّ على ذلك، لأن هذه الأمور ثابتة ومتواترة في الكتاب والسنة، فسعادة الدارين فيهما، وفي العمل بهما.
١٢ - إن الفرقة الناجية -وإن تنازعتها طوائف المسلمين- هي التي ترد المتشابه إلى المحكم، والمجمل إلى المبين، من الكتاب والسنة، وتجعل ما فيهما هو الأصل الذي تعتقده، ولا تنصب مقالة، وتجعلها من أصول دينها وترد ما اختلف فيه إليها، والفيصل في هذا قوله - عليه الصلاة والسلام - (ما أنا عليه وأصحابي).
١٣ - إن علامة أهل الأهواء والضلال ترك المحكم وتتبع المتشابه، بقصد التضليل والتشكيك، للمسلمين في عقائدهم والتحريف للدين عن طريق أساليب اليونان.
وهؤلاء هم الذين وصفهم الله بقوله: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْويلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْويلَهُ إلا اللَّهُ}.
١٤ - إن زيدية اليمن من الشيعة، وإن مؤسس المذهب الزيدي ودولته في اليمن هو الإمام القاسم الرسي (٢٤٤ هـ)، وقيل: (٢٤٦ هـ) وحفيده الإمام الهادي يحيى بن الحسين بن القاسم العلوي (٢٩٨ هـ).
وبين المعتزلة والزيدية ارتباط قوي، فالأولى هي الأم المغذية بالأفكار، والأخرى هي التي تبنت واحتفظت بالتراث وافتخرت به، فالزيدية في اليمن معتزلة في الأصول الخمسة ما عدا مسألة الإمامة -وخلاف لبعض أئمة الزيدية في حكم مرتكب الكبيرة- فقد تبنى غالب الزيدية أصولًا أربعة من أصول المعتزلة، واستبدلوا المنزلة بين المنزلتين بمسألة الإمامة التي هي الشغل الشاغل لهم، وهي امتداد لمبدء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن أجلها حصل الانشقاق بين بعض الزيدية والمعتزلة، ومذهب الزيدية في الإمامة النص على علي وولديه رضي الله عنهم، وفي الدعوة والخروج لمن بعدهم من أولادهم، وعليه فعقيدتهم خليط من المعتزلة والشيعة.
أما في الفروع فهم هادوية -غالبًا- مع ما فيهم من الأئمة المجتهدين المشهورين.
وموقف ابن الوزير من المعتزلة وغلاة الزيدية خصومات وقلاقل وفق ومعارك جدلية وموقفه من أصولهم الخمسة موقف أهل السنة من أهل البدعة إلا أنه فرع سؤالًا عن مصير مرتكب الكبيرة إذا مات مصرًا عليها -بعد أن قرر مذهب السلف فيها وأيده بآية النساء المخصصة لعموم آية الزمر، فرّع استفهامًا هو: هل عذاب الأشقياء دائم؟ .
وهذا الاستفهام ناتج عن مدى تأثره بكلام العلامة ابن القيم، ومناقشته للأقوال المتعلقة بهذا الاستفهام، المحير لعقول النظار، وستأتي الإجابة في نتائج فصل (الغيبيات) إن شاء الله تعالى.
١٥ - إن للإمام أبي الحسن الأشعري ثلاثة أطوار: الأول: كان يعتقد عقيدة المعتزلة استمر عليها أربعين سنة، والأخير استقر على العقيدة