أَبو يوسف، ولا زفر ولا محمّد ولا أحد من أصحابهم في القرآن، وإنما تكلم بشر المريسي وابن أبي دؤاد، فهؤلاء شانوا أصحاب أبي حنيفة.
وهذا النص يفيد أن خصوم أبي حنيفة وأصحابه وجدوا فيما صدر عن بعض الأحناف من آراء حول مشكلة خلق القرآن فرصة للترويج بأن أولئك قد خاضوا في هذه المشكلة، وساعد على هذا أن المعتزلةكانوا يروجون لمذهبهم عن طريق نحله لرجال ذوي مكانة وعلم وفقه.
وروي عن عبيد الله بن أبي حنيفة الدبوسي قال: سمعت محمّد بن الحسن يقول: اتفق الفقهاء كلهم من المشرق إلى المغرب على الإيمان بالقرآن والأحاديث التي جاء بها الثقات عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في صفة الرب عَزَّ وَجَلَّ من غير تفسير ولا وصف ولا تشبيه، فمن فسر شيئًا من ذلك، فقد خرج مما كان عليه النبي - صلى الله عليه وسلم -، وفارق الجماعة، فإنهم لم يصفوا ولم يفسروا، ولكن أفتوا بما في الكتاب والسنة ثم صكتوا، فمن قال بقول جهم فقد فارق الجماعة لأنه قد وصفه بصفة لا شيء.
وهذا يرد على المنقولين بأن محمَّدًا كان يدعو إلى القول بخلق القرآن، أو إلى رأي جهم في نفي الصفات، فقد كان لا يرى الخوض في الآيات والأحاديث التي جاءت في صفات الله، وكان يأخذ بها دون تفسير أو تأويل كما هو مذهب السلف الصالح.
وكما اتهم الإمام محمّد بأنه جهمي اتهم أيضًا بأنه من المرجئة، وكلمة المرجئة -كما هو معروف تاريخيًا- تطلق على طائفتين، طائفة توقفت في الحكم على الخلاف الذي وقع بين الصحابة وبخاصة أحداث الفتنة الكبرى، وترجئ هذا إلى الله سبحانه وتعالى، وطائفة ترى أن الله يعفو عن كل الذنوب ما عدا الكفر، وأنه لا تضر مع الإيمان معصية كما لا تنفع مع الكفر طاعة، والإمام محمّد من هذه الطائفة لدى من يتهمونه بالإرجاء.
ومع أنه ليست بأيدينا نصوص رويت عن الإمام محمّد ويمكن أن تدل صراحة على موقفه من المرجئة، فإن الراجح أن هذا الإمام لم يؤمن بما آمنت به هذه الفرقة، فهي بما ذهبت إليه من آراء قد فتحت أمام العصاة باب الإثم على مصراعيه، وقد جاء عن زيد بن علي بن الحسن أنه قال عن هذه الفرقة:"أبرأ من المرجئة الذين أطمعوا الفساق في عفو الله". وكان الإمام محمّد من الورع والخشية لله بحيث لا يرى أن المعصية لا تضر مع الإيمان، ولذا كان في فقهه يجنح إلى الاحتياط، ويرى مقاتلة الذين يتركون السنن ويهملون شعائر الدين، فقد روي عنه أنه قال: إذا أصر أهل المصر على ترك الأذان والإقامة، أمروا بهما فإن أَبوا قوتلوا على ذلك بالسلاح كما يقاتلون عند الإصرار على ترك الفرائض والواجبات.
وقال أَبو يوسف: المقاتلة بالسلاح عند ترك الفرائض والواجبات، فأما في السنن فيؤدبون على تركها، ليظهر الفرق بين الواجب وغير الواجب، ولكن الإمام محمَّدًا يقول: ما كان من أعلام الدين فالإصرار على تركه استخفاف بالدين فيقاتلون على ذلك.