هذه القصيدة بيتًا واحدًا، ولو كان قد قرأها عليه، لكان يوشك أن يذكر ولو بعضها.
ويحتمل أن يكون له بعضها، ولكن زيدت الأبيات المقتضية للتجسيم وللكلام في الأشاعرة، ويؤيد ذلك أن القصيدة المشار إليها تزيد على المائتين وأربعين، وابن السمعاني، قال: تزيد على المائتين، وظاهر هذه العبارة أنها تزيد بدون عقد، وأنها لو كانت مائتين وأزيد من أربعين، لقال على المائتين وأربعين، ويؤيده أيضًا أن أبياتها غير متناسبة، فإن بعضها شعر مقبول، وأظنه شعره، وبعضها وهو المشتمل على القبائح، في غاية الرداءة، لا يرضي به من يحسن الشعر.
وها أنا أحكي لك بعضها.
فأولها [يقول]:
محاسن جسمي شانها بالمعايب ... وشيب فودي شوب وصل الحبائب
وأقبل شيبي والشبيبة أدبرت ... وقرب من أحزاننا كل غارب
ومنها أيضًا:
وليس يرد العمر ما قلت آهة ... ولا الحزن يدني قاصيات الشبائب
وهذا كله شعر مقبول، لا يصل إلى درجة الحسن، ولا ينزل إلى درجة الرد، كما يعرف ذلك من يذوق الأدب.
ومنها [أيضًا]:
عقائدهم أن الإله بذاته ... على عرشه مع علمه بالغوائب
وهذا من أسهل ما فيها، ولس فيها ما ينكر معناه إلا قوله "بذاته"، وهي عبارة سبقه إليها ابن أبي زيد المالكي، في "الرسالة" إلا أنه بيت سمج مردود، فإن قوله "على عرشه مع علمه بالغوائب" كلام لا ارتباط لبعضه ببعض، فإنه لا ارتباط لعلم الغيب بمسألة الاستواء.
وقوله "بالغوائب" إن أراد جمع غيب، فهو لحن، فإن الغيب لا يثنى ولا يجمع لأنه اسم جنس، ولئن جمع فجمعه غيوب، وإن أراد جمع غائبة، لحن عليه.
ثم ساق أبياتًا في اليدين، والكيف، والصوت، والضحك، ووضع القدم، والأصابع، والصورة، والغيرة، والحياء، وأنحاء ذلك.
وليس فيه كبير أمر، إلا أن جمعها دليل منه على محاولة التجسيم، فإنها لم ترد في الشريعة مجموعة بل مفرقة، وفي كل مكان قرينة ترشد إلى المراد، فإذا جمعها جامع أضل ضلالًا مبينًا.
ثم ذكر التجسيم، والتجهم، والاعتزال، والرفض، والارجاء، وجمع الكل في بيتين، فقال:
طرائق تجسيم وطرق تجهم ... وسبل اعتزالٍ مثل نسجِ العناكبِ
وفي قدر والرفضِ طرقٌ عميةٌ ... وما قيل في الإرجاء من نعبِ ناعبِ
ثم قال:
وخبث مقال الأشعري تخنثٌ ... يضاهي تلويه تلوى الشغازب (١)
(١) الشغازب: الشغزبي: الملتوي عن الطريق. كما في (المناهل).