كما أن الشيخ قد تأثر في هذه الفترة ببعض المستشرقين خلال إقامته في فرنسا، واستمرت صلاته بهم بعد عودته من منفاه فكان يزورهم ويراسلهم، ومن الجدير بالذكر أن العالم الغربي كان قد فتن بالعقل البشري وجعله ندًا للوحي في هداية الإنسان، ومع هجوم المستشرقين على التصور الإسلامي وعقيدة القضاء والقدر فيه، أراد الشيخ إثبات قيمة (العقل) تجاه (النص)، وإحياء فكرة الاجتهاد، فاصطدم مع الواقع، ومال إلى الغلو عندما أراد أن يثبت لأصدقائه المستشرقين أن أصول الإسلام لا تتعارض مع المنطق والعقل.
٤ - تقديم العقل على نصوص النقل: بل يعتمد الإسلام في نظره على الدليل العقلي، وبه يحتج، لا بالمعجزات، بل يعتقد الإمام أن الإيمان بالله لا يؤخذ من الرسول ولا من الكتاب ولا يصح أخذه منهما، بل من العقل. "وقد اتفق المسلمون إلا قليلًا منهم، ممن لا يعتد برأيه، على أن الاعتقاد بالله مقدم على الاعتقاد بالنبوات، وأنه لا يمكن الإيمان بالرسل إلا بعد الإيمان بالله، فلا يصح أن يؤخذ الإيمان بالله من كلام الرسل، ولا من الكتب المنزلة .. ".
٥ - وقد اهتم بالتقريب بين الأديان، إذ أنشأ جمعية سياسية دينية سرية هدفها التقريب بين الأديان الثلاثة: "الإسلام والمسيحية واليهودية، وذلك في بيروت، بعد أن توقفت العروة الوثقى، واشترك معه في تأسيسها: ميرزا باقر، وعارف أبو تراب، والقس إسحاق تيلر، وبعض الإنجليز واليهود، وكان الإمام صاحب الرأي الأول فيها.
ثم يستطرد صاحب كتاب "أثر المدرسة الإصلاحية في الفكر الإسلامي الحديث، فيقول: (لقد كان لاجتهادات الشيخ محمّد عبده، وآراء تلامذته، الأثر الكبير في تطور الفكر الإسلامي خلال أجيال خلت- وحتى الآن .. إلا أن دعوة هؤلاء قد استغلت في تطوير الإسلام -حسب زعمهم- ومن ثم الاقتراب به من قيم الحضارة المادية الغربية.
وكان من أبرز المسائل التي فتح الشيخ محمد عبده بابها:
- "الحديث عن الوطنية والإقليمية، والعناية بالتاريخ السابق للإسلام ومن ثم الدعوة إلى الحرية والحياة النيابية، وكذلك دعوتهم إلى إعادة النظر في وضع المرأة الاجتماعي، وقضية الحجاب وتعدد الزوجات، وتقييد حرية الطلاق".
- "لقد أراد الشيخ محمّد عبده أن يقيم سدًا في وجه الاتجاه العلماني ليحمي المجتمع الإسلامي من طوفانه، ولكن الذي حدث هو أن هذا السد قد أصبح قنطرة للعلمانية، برت عليه إلى العالم الإسلامي، لتحتل المواقع واحدًا تلو الآخر.
ثم جاء فريق تلاميذ محمّد عبده وأتباعه، فدفعوا نظرياته واتجاهاته إلى أقصى طريق العلمانية".
وقد تستر وراء الإصلاحيين عدد من أصحاب الدعوات الهدامة والمبادئ المنحرفة، ومن هؤلاء دعاة تحرير المرأة.
ويرى بعض الباحثين أن الشيخ محمّد عبده كان وراء قاسم أمين، في كتابه "تحرير المرأة"، وأن الكتاب قد جاء ثمرة لعمل مشترك بين كل من الشيخ محمّد عبده وقاسم أمين، وكانت الصياغة