للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

لشبهة تشبيه الخالق بالمخلوق في التعبير بالاستواء على العرش. وإن من الواجب حمل التعبير على المجاز المعتاد استعماله في اللغات البشرية. وهذا متسق مع كلامنا".

وقال من خلال تعليقه على {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} (٢/ ١٣٨): "أما جملة {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} فإنها تأتي هنا لأول مرة. وقد تكررت بعد ذلك أكثر من مرة.

ولقد علقنا على كلمة العرش بما فيه الكفاية في سياق سورة البروج فلا ضرورة للإعادة ونقول في صدد الاستواء: إن أصل معناه تساوي الشيء واستقامته واعتداله. وقد تطلق الجملة من قبيل المجاز فتكون بمعنى التملك بالنسبة للملك أكثر منها بمعنى الجلوس على العرش أو الكرسي.

ومما قاله ابن كثير إن للناس في هذا المقام مقالات كثيرة ولكن الأولى أن يسار في طريق السلف الصالح بالمرور بالجملة من غير تكييف ولا تشبيه ولا تعطيل، وملاحظة كون الله لا يشبهه شيء من خلقه وليس كمثله شيء. ومما قاله البغوي إن المعتزلة أولت الاستواء بالاستيلاء وإن أهل السنة قالوا إن الاستواء على العرش صفة وصف الله بها نفسه فتؤخذ بالإيمان بلا كيف ولا تشبيه. ومما قاله السيد رشيد رضا إن أحدًا من أصحاب رسول الله لم يشتبه في معنى استواء الرب تعالى على العرش، على علمهم بتنزهه سبحانه عن صفات البشر وغيرهم من الخلق، وكانوا يفهمون أن استواءه تعالى على عرشه عبارة عن استقامة أمر ملك السموات والأرض له وانفراده هو بتدبيره.

وعلى كل حال فهذا من الأمور المغيبة التي أخبر الله عنها بالعبارة التي اقتضتها حكمة تنزيله، ومن الواجب الإيمان بما جاء في القرآن مع تنزيه الله عزَّ وجلَّ عن الحدود والجسمانية والمشابهة التي يقتضيها تأويل العرش بالمادية والجلوس الجسماني عليه. ومع التنويه بخاصة بوجاهة ما ذكره رشيد رضا من فهم أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - معنى الجملة وإن لم يورد نصًّا في ذلك معزوًا إلى أحد وسندًا يسند قوله، ومع ملاحظة أن الآيات في جملتها هنا وفي غير مكان قد وردت في معرض التدليل على عظمة الله وشمول قدرته وملكه وتوكيد كونه الخالق المدبر واستحقاقه بسبب ذلك وحده للعبادة والخضوع. تبارك الله رب العالمين".

وقال في تعليقه على كلمة (محدث) وعلى مسألة خلق القرآن (٦/ ١٥٦): "ولقد وقف علماء الكلام عند كلمة (محدث) حيث اتخذها بعضهم دليلًا على حدوث القرآن وأولها بعضهم بما يجعل هذا الاستدلال في غير محله؛ لأنه يؤدي إلى القول بأن القرآن حادث وهو كلام الله كما جاء في آية التوبة هذه {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ} والكلام من صفات الله القديمة بقدمه التي لا يصح عليها حدوث وخلق.

والكلمة في مقامها واضحة الدلالة على أنها إنما قصدت (آيات جديدة النزول) ولا تتحمل إثارة المعنى الذي أريد الجدل حوله.

ومسألة خلق القرآن من المسائل الكلامية الشهيرة التي أدت إلى فتنة شديد في زمن المأمون