الخليفة العباسي وامتدت نحو عشرين سنة واضطهد وعذب في سبيلها علماء كثيرون على رأسهم الإمام أحمد بن حنبل لأنهم أريدوا على القول بإيعاز من المعتزلة بأن القرآن مخلوق فأبوا.
وهذه المسألة متفرعة عن مسألة أعم. وهي الخلاف على صفات الله بين أهل السنة والمعتزلة. فالمعتزلة قالوا إن صفات الله هي ذات الله فهو عالم بذاته متكلم بذاته الخ أي بدون علم وقدرة وكلام زائد عن ذاته أو غير ذاته على اعتبار أن الذهاب إلى كون صفات الله القديمة بقدمه غير ذاته هو تعدد لله القديم الذي يستحيل عليه التعدد. وأهل السنة قالوا إن لصفات الله معنى زائدًا عن ذاته فهو عالم بعلم وقادر بقدرة ومتكلم بكلام واحترزوا بهذا لمنع تعدد الله القديم بتعدد صفاته لأنهم مثل المعتزلة يعتقدون باستحالة التعدد في حق الله. ثم أبحر الخلاف إلى صفة كلام الله وماهية القرآن باعتباره كلام الله فقال فريق من أهل السنة إن الله متكلم بكلام أزلي قديم زائد عن ذاته وغير منفك عنها وإن القرآن معنى قائم بذات الله وقيدوا أنهم لا يعنون بذلك الحروف والأصوات المقروءة المسموعة المكتوبة ومثلوا على ذلك بالفرق بين ما يدور في خلد الإنسان من كلام دون أن ينطق به فهو شامل في أي واحد لجميع الكلام الذي يدور في الخلد أما الحروف والأصوات المقروءة المسموعة المكتوبة من القرآن فإنها ليست من تلك الصفة القديمة وإنما هي من الحوادث لأنها تابعة لترتيب يتقدم فيه حرف على حرف نطقًا وكتابة وسمعًا وهذا من سمات الأمور الحادثة.
وقال فريق آخر من أهل السنة إن حروف القرآن المكتوبة المقروءة وأصواتها المسموعة غير منفكة عن صفة كلام الله الأزلي القديم وأنها مثلها قديمة أزلية أيضًا ليست حادثة ولا مخلوقة.
أما المعتزلة -والشيعة الإمامية مثلهم في أكثر المذاهب الكلامية- فقد قالوا إن الله متكلم بذاته بدون كلام زائد عنها وأنه يخلق الحروف والأصوات في الأعراض فتقرأ وتسمع وأن القرآن باعتبار أنه متصف بما هو صفات المخلوق وسمات الحدوث من تأليف وتنظيم وإنزال وتنزيل وكتابة وسماع وعروبة لسان وحفظ وناسخ ومنسوخ الخ هو مخلوق ولا يصح أن يكون قديمًا أزليًا. ويقولون إن القرآن اسم لما نقل إلينا بين دفتي المصحف تواترًا وهذا يستلزم كونه مكتوبًا في المصاحف مقروءًا بالألسن مسموعًا بالآذان وكل ذلك من سمات الحدوث بالضرورة، ويرد عليهم أهل السنة بأنه كلام الله مكتوب في مصاحفنا محفوظ في قلوبنا مقروء بأسنتا مسموع بآذاننا غير حال فيها بل هو معنى قديم قائم بذات الله يلفظ ويسمع بالنظم الدال عليه ويكتب بنقوش وصور وأشكال موضوعة للحروف ويكتب بالقلم وأن المراد بأن القرآن غير مخلوق هو حقيقته الموجودة في الخارج ..
هذه خلاصة وجيزة جدا لأن التبسط في الكلام ليس من منهجنا، وواضح أن الجماعات المختلفة معترفون بكمال صفات الله وأن اختلافهم هو حول آثار هذه الصفات وتخيلها وتفهمها ومداها وأن شأنهم في هذا شأنهم في الخلافيات الكلامية الأخرى، منهم المعظم لله ومنهم المنزه له. وأنهم متفقون على أن القرآن منزل من الله على نبيه.