قلت: لعل هذه فضيلة لقول الني - صلى الله عليه وسلم -: "اللهم من لعنته أو سببته فاجعل له ذلك زكاة ورحمة" (١).
قال أبو علي النيسابوري حافظ خراسان في زمانه: حدثنا الإمام في الحديث بلا مدافعة أبو عبد الرحمن النسائي.
وقال أبو طالب أحمد بن نصر الحافظ: من يصبر على ما يصبر عليه النسائي؟ كان عنده حديث ابن لهيعة ترجمة ترجمة، يعني عن قتيبة، عنه، فما حدث بها.
وقال الدارقطني: أبو عبد الرحمن مقدم على كل من يذكر بهذا العلم من أهل عصره.
قال قاضي مصر أبو القاسم عبد الله بن محمد بن أبي العوام السعدي: ثنا أحمد بن شعيب النسائي: أنا إسحاق بن راهويه نا محمد بن أعين قال: قلت لابن المبارك إن فلانًا يقول: من زعم أن قوله تعالى {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إلا أَنَا فَاعْبُدْنِي} [طه: ١٤] مخلوق فهو كافر. فقال المبارك: صدق.
قال النسائي: بهذا أقول.
وقال ابن طاهر المقدسي: سألت سعد بن علي الزنجاني عن رجل فوثقه، فقلت: قد ضعفه النسائي. فقال: يابني إن لأبي عبد الرحمن شرطًا في الرجال أشد من شرط البخاري ومسلم.
وقال محمد بن المظفر الحافظ: سمعت مشايخنا بمصر يصفون اجتهاد النسائي في العبادة بالليل والنهار، وأنه خرج إلى الغزو مع أمير مصر، فوصف من شهامته وإقامته السنن المأثورة في فداء المسلمين، واحترازه عن مجالس السلطان الذي خرج معه، والانبساط في المأكل. وأنه لم يزل ذلك دأبه إلى أن استشهد بدمشق من جهة الخوارج.
وقال الدارقطني: كان ابن الحداد أبو بكر كثير الحديث، ولم يحدث عن غير النسائي، وقال: رضيت به حجة بيني وبين الله تعالى.
وقال أبو عبد الرحمن بن منده، عن حمزة العقبي المصري وغيره أن النسائي خرج من مصر في آخر عمره إلى دمشق، فسئل بها عن معاوية وما روي في فضائله فقال: لا يرضى رأسًا برأس حتى يفضل!
قال: فما زالوا يدفعون في حضنيه حتى أخرج من المسجد، ثم حمل إلى الرملة، وتوفي بها، رحمه الله ورضي عنه.
وقال الدارقطني: إنه خرج حاجًا فامتحن بدمشق، وأدرك الشهادة، فقال: احملوني إلى مكة، فحمل وتوفي بها، وهو مدفون بين الصفا والمروة.
وكانت وفاته في شعبان سنة ثلاث وثلاثمائة.
قال: وكان أفقه مشايخ مصر في عصره وأعلمهم بالحديث والرجال.
وقال أبو سعيد بن يونس في تاريخه: كان إمامًا حافظًا، ثبتًا خرج من مصر في ذي القعدة سنة اثنتين وثلاثمائة وتوفي بفلسطين يوم الاثنين لثلاث عشرة خلت من صفر سنة ثلاث
(١) أخرجه مسلم برقم (٢٦٠٠) من حديث عائشة، و (٢٦٠١) من حديث أبي هريرة، و (٢٦٠٢) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهم، ولفظ حديث أبي هريرة: "اللهم إنما أنا بشر، فأيما رجل من المسلمين سببته أو لعنته أو جلدته، فاجعلها له زكاة ورحمة".