للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

ابن عربي، وبعض يمنع من ذلك، فاستشرت الشيخ يوسف الإمام الصفدي في ذلك، فقال: اعلم يا ولدي -وفقك الله- أن هذا العلم المنسوب إلى ابن عربي ليس بمخترع له، وإنما هو وإن ماهرًا فيه، وقد ادعى أهله أنه لا تمكن معرفته إلا بالكشف، فإذا فهم المريد مرماهم فلا فائدة في تفسيره، لأنه إن كان المقرر والمقرر له مطلعين على ذلك، فالتقرير تحصيل الحاصل، وإن كان المطلع أحدهما، فتقريره لا ينفع الآخر، والا فهما يخبطان خبط عشواء، فسبيل العارف عدم البحث عن هذا العلم، وعليه السلوك فيما يوصل إلى الكشوف عن الحقائق، ومتى كشف له عن شيء علمه. ثم قال: استشرت الشيخ زين الدين الخافي، بعد أن ذكرت له كلام الشيخ يوسف، فقال: كلام الشيخ يوسف حسن، وأزيدك أن العبد إذا تخلق ثم تحقق ثم جذب؛ اضمحلت ذاته، وذهبت صفاته، وتخلص من السوى، فعند ذلك تلوح له بروق الحق بالحق، فيطلع على كل شيء، ويرى الله عند كل شيء، فيغيب بالله عن كل شيء ولا شيء سواه، فيظن أن الله عين كل شيء، وهذا أول المقامات، فإذا ترقى عن هذا المقام وأشرت على مقام أعلى منه، وعضده التأييد الإلهي، رأى أن الأشياء كلها فيض وجوده تعالى لا عين وجوده، فالناطق حينئذٍ بما ظنه في أول مقام، إما محروم ساقط، وإما نادم تائب، وربك يفعل ما يشاء. انتهى.

ولقد بالغ ابن المقري في "روضته" فحكم بكفر من شك في كفر طائفة ابن عربي، فحكمه على طائفته بذلك دونه، يشير إلى أنه إنما قصد التنفير عن كتبه، وإن لم يفهم كلامه ربما وقع في الكفر باعتقاده خلاف المراد، إذ للقوم اصطلاحات أرادوا بها معاني غير المعاني المتعارفة، فمن حمل ألفاظهم على معانيها المتعارفة بين أهل العلم الظاهر ربما كفر كما قاله الغزالي.

ثم قال المناوي: وعول جمع على الوقف والتسليم، قائلين: الاعتقاد صبغة، والانتقاد حرمان، وإمام هذه الطائفة شيخ الإسلام النووي، فإنه استفتي فيه فكتب: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ} الآية [البقرة: ١٣٤]، وتبعه على ذلك كثيرون، سالكين سبيل السلامة، وقد حكى العارف زروق عن شيخه النوري، أنه سئل عنه فقال: اختلف فيه من الكفر إلى القطبانية، والتسليم واجب، ومن لم يذق ما ذاته القوم ويجاهد مجاهداتهم لا يسعه من الله الإنكار عليهم. انتهى.

وأقول: وممن صرح بذلك من المتأخرين الشيخ أحمد المقري المغربي، قال في كتابها زهر الرياض في أخبار عياض" والذي عدَّ كثير من الأخيار في أهل هذه الطريقة التسليم، ففيه السلامة، وهي أحوط من إرسال العنان وقول يعود على صاحبه بالملامة، وما وقع لابن حجر، وأبي حيان في "تفسيره" من إطلاق اللسان في هذا الصديق وأنظاره، فذلك من غلس الشيطان، والذي اعتقده ولا يصح غيره، أن الإمام ابن عربي ولي صالح، وعالم ناصح، وإنما فوق إليه سهام الملامة من لم يفهم كلامه، على أنه دست في كتبه مقالات قدره يجل عنها، وقد تعرض من المتأخرين ولي الله الرباني سيدي عبد الوهاب الشعراني -نفعنا الله به- لتفسير كلام الشيخ على وجهٍ يليق، وذكر من البراهين على ولايته