للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وآدم هو الخلق الأول وكلنا من بعده مخلوقون بالتناسل من الزوجية، وقد كرّم الله الإنسان بأنه خلقه بيديه، وخلق كل شيء بـ"كن"، إذن: كلمة "اليد" تطلق على معان متعددة، والرسول يقول: "المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم" (١).

أي عندما تجتمع الأيدي تكون هي اليد القادرة، وعندما نقرأ كلمة "يد الله" فهل نحصرها في نعمته أو ملكه؟ .

{تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ} [الملك: ١].

والله سبحانه وتعالى أعلم بذاته فلنقف عند الوصف، نعم له يد، وله يدان، وإياك أن تتصور أن كل ما يتعلق بالله مثل ما يتعلق بك؛ لأن الأصل أن لك وجودًا الآن، ولله وجود، لكن وجودك غير وجود الله، وكذلك يده ليست كيَدِكَ، حتى لا نشبه ونقول: إن له يدًا مثل أيدينا، فلنقل إن المراد باليد هو القدرة أو النعمة، والهدف الراقي هو تنزيه الحق، وهناك من يقول: إن لله يدًا ولكن ليست كأيدينا لأننا نأخذ كل ما يأتي وصفًا لله على أنه "ليس كمثله شيء" والتأويل ممكن. مثلما بيّن الحق: أنه قد صنع موسى على عينيه.

وتأخذ أي مسألة تتعلق بوصف الله إما كما جاءت، بأن له يدًا ولكن ليست كالأيدي، وله وجود لا كالوجود البشري، وله عين ليست كالأعين، ولكن كل وصف لله نأخذه في إطار "ليس كمثله شيء"، وإما أن نأخذ الوصف بالتأويل، ويراد بها النعمة ويراد بها القدرة، ويقول الحق: {بل يداه مبسوطتان} والمراد هنا هو "النعمة" ولم يكتف سبحانه بأن يرد بأن له يدًا واحدة تعطى: لا، بل يرد بما هو أقوى مما يمكن، فهو يعطي بيديه الاثنتين، وهو القائل:

{وَأَسْبَغَ عَلَيكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً} من الآية [لقمان: ٢٠].

إنه يُعطي الظاهر ويعطي الباطن، وإياك أن تقول تلك اليد اليمني وتلك اليد اليسرى؛ لأن كلتا يدي الله يمين. {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيفَ يَشَاءُ} أي أنه سبحانه لا يمكن أن يكون بخيلًا، حتى وإن منع الحق فذلك منح وعطاء وإنفاق؛ لأن الذي يطغى بنعمة، قد يذهب به الطغيان إلى بلاء وسوء مصير؛ لذلك يقبض سبحانه عنه النعمة ليعطيه الأمن من أن ينحرف بالنعمة، ولذلك نجد القول الحق في سورة الفجر: {فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ} [الفجر: ١٥ - ١٦] أ. هـ.

ثم يقول الشعراوي: "بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء" إذن فكله إنفاق. وسبحانه ينفق كيف يشاء، فلا يبخل أبدًا حتى وإن منع، فالمنع في موضعه الصحيح هو عين الإنفاق، وهكذا يكون عطاء الله عطاء النعمة ظاهرة كانت أو باطنة فإن أردت بـ "اليد" القدرة فيدا الله مبسوطتان بالثواب لقوم وبالعقاب لقوم آخرين، وهو سبحانه وتعالى يعطي لحضرة النبي - صلى الله عليه وسلم - المناعة الإيمانية ضد كل


(١) رواه أحمد وأبو داود والبيهقي في السنن الكبرى والحاكم في المستدرك والمتقي الهندي في كنز العمال وابن كثير في التفسير.