وهنا في موقف موسى وحواره مع الله يتأكد لنا أن الله تجلى على خلق من خلقه، ولكن أيقدر المتجلي عليه على هذا التجلي أم لا يقدر؟ إن أقدره الله فهو يقدر، أما إن لم يقدره الله فلن يقدر. والجبل هو الأصلب، فلما تجلى له ربه اندك، إذن فمن الممكن أن يتجلى الله على بعض خلقه، ولكن المهم أيقوى المستقبل للتجلي أو لا يقوى؟ ولم تقو طبيعة موسى على التجلي لله بدليل أن الأقوى منه لم يقو".
ثم قال في قوله تعالى:{فَلَمَّا أَفَاقَ قَال سُبْحَانَكَ} "وساعة تسمع كلمة سبحانك" أعرف أنه يراد بها التنزيه لله من الحدث الذي نحن بصدده وهو رؤيته -تعالى- أي تنزيهًا لك يا رب أن يراك مخلوقك، لأن الرؤية قدرة بصر على مرئي، ومعنى: "رأيت الشيء، أي أن عين البشر قد قدرت على الشيء، ولو أننا نحن المخلوقين رأينا الله بقانون الضوء، فهذا يعني أن أبصارنا تقدر على ربنا وهذا لا يمكن أبدًا، لأن المقدور لا ينقلب قادرًا، والقادر لا ينقلب مقدورًا.
وتوبة موسى هنا من أنه سأل الله ما ليس له به علم، ولأنه لم يقف عند التجليات المخالفة لنواميس الكون، وأن ربنا قد أعطاه بدون أن يسأل، لقد كلمه الله، فلماذا يصعد المسألة ويطلب الرؤية؟ ولماذا لم يترك الأمور للفيوضات التي يعطيها الله له ويتنعم بفيض جود لا ببذل مجهود؟ .
ويقرر موسى ويقول:{وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ}، أي بأن ذاتك -سبحانك- لا يقدر مخلوق أن يراها ويدركها. لقد شعر موسى ببعض من انكسار الخاطر لأنه طمح إلى ما يفوق استطاعته وقال:{سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ} وكأنه قد فهم ما أوضحه الحق له: لا تلتفت إلى ما منعتك" أهـ.
• قلت: وبعد الذي ذكرنا مقاطع من تفسيره، ومنهجه فيه الميل إلى العقل أكبر من النقل، وهذا واضح جدًّا، حتى إننا قرأنا أو سمعنا من خلال بعض محاضراته من خلال الأجهزة السمعية، فهذا من أهم الأمور التي يمكن ملاحظتها في تفسيره فهو يفتقد إلى الأحاديث والآثارة وأقوال المفسرين والترجيح على أساس الدليل الصحيح: إذا وجد، ولكن هو يؤثر علم الكلام والاستطراد به أكثر من مما ذكرت من أصول وعلوم التفسير ويعطي قدرة الشيخ الشعراوي الأدبية من لغة أو نحو وعلم الكلام وأصوله وهو يميل إلى المذهب الأشعري كما نلاحظ في قوله بالإيمان عن سحرة فرعون، أو قول النبي الكريم إبراهيم - عليه السلام - حول رؤيته لقدرة الله تعالى في إعادة خلق المخلوق أمامه، وما ذكرنا من بعض الصفات لله سبحانه.
ومن المعلوم أن المدارس الشرعية الإسلامية، وطلابها وعلمائها في القرون المتأخرة هذه وخاصة الأزهر فمذهبهم المشهور عندهم الشافعي، وأصول اعتقادهم على المذهب الأشعري عمومًا، والمعروف أن المعتقد الأشعري