كالسمع والبصر والقدرة والإرادة والإحياء والإماتة والرزق، وغيرها من صفات الذات والفعل -وهذا ما يقول به الأشاعرة- إلا أن الماتريدي لا يفرق بين صفات الذات وصفات الفعل ولذلك فهو يقول بأزلية صفات الفعل ومنها صفة التكوين التي قال إنها أزلية، وهي من المسائل الكبار التي تميز بها مذهب الماتريدية عن مذهب الأشعرية، وأصل الخلاف فيها أن الأشاعرة -ومعهم المعتزلة- يقولون: الفعل هو المفعول، فالتكوين أو الخلق هو عين المكون أو المخلوق، لذلك قالوا بحدوث صفات الفعل لله تعالى مثل الخلق، وأن الله لم يكن خالقًا ثم خلق، قالوا: فلو قلنا بقدم صفة الفعل لله تعالى للزم من ذلك قدم المفعول، وهذا يبطل القول بقدم الصانع وحدوث العالم أما الماتريدية فعندهم أن الفعل غير المفعول، والتكوين غير المكون، ولذلك فهم يقولون بأزلية صفات الفعل لله تعالى من الخلق والإحياء والرزق، وإن كان المفعول منها حادثًا، يقول الماتريدي بعد كلام:"والأصل أن الله تعالى إذا أطلق الوصف له، وصف بما يوصف به من الفعل، والعلم، ونحوه، يلزم الوصف به في الأزل، وإذا ذكر معه الذي هو تحت وصفه به من العلوم، والمقدور عليه، والمراد، والمكون يذكر فيه أوقات تلك الأشياء لئلا يتوهم قدم تلك الأشياء"، وأوضح في تفسيره فقال في قوله تعالى:{وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}[البقرة: ١١٧]: "ثم الآية ترد على من يقول بأن خلق الشيء هو ذلك الشيء نفسه، لأنه قال: "إذا قضى أمرًا"، ذكر "قضى"، وذكر "أمرًا"، وذكر "كن فيكون"، ولو كان التكوين والمكون واحدًا لم يحتج إلى ذكر كن في موضع [العبارة] عن التكوين، فالكن تكوينه، فيكون المكون، فدل أنه غيره، ثم لا يخلو التكوين: إما أن لم يكن فحدث، أوكان في الأزل .. "، ثم رجح أنه موصوف به في الأزل، وأن الشيء يكون في الوقت الذي أراد كونه فيه، والماتريدي بنى قوله على الفرار من حلول الحوادث بذاته تعالى الذي يلزم به الأشاعرة حين يقولون بحدوث صفات الفعل لله تعالى.
٦ - والماتريدي من نفاة الصفات الاختيارية لله تعالى تبعًا لمنعه حلول الحوادث بذات الله تعالى، ويبني ذلك على مسألة دليل حدوث الأجسام، وفي مسألة كلام الله قال بأنه أزلي وأنه لا يتجزأ ولا يتبعض وبنى في الرد على الكعي والمعتزلة -في قولهم بخلق القرآن- على منع حدوث كلام الله، والقول بأنه أزلي، أما ما سمعه موسى -عليه الصلاة والسلام- فالله "أسمعه بلسان موسى، وبحروف خلقها، وصوت أنشأه، فهو أسمعه ما ليس بمخلوق"، وقد رد شارح الطحاوية -ابن أبي العز- على الماتريدي قوله هذا، ويؤول الماتريدي الصفات الفعلية مثل صفة الاستواء فيقول -بعد ذكره الأقوال فيه-: "وجمله ذلك أن إضافة كلية الأشياء إليه، وإضافته عزَّ وجلَّ إليها، يخرج مخرج الوصف له بالعلو والرفعة، ومخرج للتعظيم له والجلال ... وإضافة الخاص إليه يخرج مخرج الإختصاص له بالكرامة والمنزلة ... [و] الأصل فيه أن الله سبحانه كان ولا مكان، وجائز ارتفاع الأمكنة، وبقاؤه على ما كان، فهو على ما كان، وكان على ما عليه الآن، جل عن التغير والزوال والاستحالة والبطلان، إذ ذلك